
كتبت الصحافية جنى شوربا, في صحيفة رأي سياسي:

تكاد أن تدخل الحرب في السودان عامها الثالث، وعلى وجه التحديد سنتين و6 أشهر و14 يومًا، من دون أن تلوح في الأفق أي تسوية. دمّرت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم ومدن دارفور وكردفان، ودفعت الملايين إلى النزوح. نزاع لم يحظَ باهتمام دولي حقيقي، وقد حوّل السودان إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، مخلفًا آثارًا مأساوية على المدنيين.
تعود جذور الصراع إلى البنية السياسية والاقتصادية الهشة للدولة. فبعد تفكك السلطة وسقوط نظام عمر البشير عام 2019، تعثر الانتقال السياسي، تراكمت الأزمات الاقتصادية، وغابت الدولة، فانفجر الصراع بين طرفين يملكان السلاح والنفوذ، لكن لا يملكان رؤيةً لإدارة بلدٍ بحجم السودان.
الظروف الميدانية في السودان مأساوية بشكل غير مسبوق. انهارت الخدمات الأساسية، والأسواق مغلقة، والناس يعيشون على المساعدات المحدودة. المنظمات الإنسانية تحذر من مجاعة واسعة. السكان يعيشون على ما تبقّى من مخزون غذائي أو على مساعدات متقطعة تصل عبر مبادرات فردية وشبكات المتطوعين. في العاصمة، تحوّلت الأحياء السكنية إلى مناطق قتال. حتى مارس 2025، هناك حوالي 11.3 مليون شخص نازح داخل السودان، بينما فرّ نحو 3–4 ملايين شخص إلى دول الجوار، حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة. المياه والكهرباء مقطوعة في معظم الأحيان، والمستشفيات تعمل بقدرات محدودة، إذ توقفت أو أُقفلت نحو 70–80% من المنشآت الطبية في المناطق الأكثر تضررًا. المدارس توقفت منذ بداية الحرب، وجيل كامل من الأطفال خرج من التعليم.
المآسي في تكرار دائم. القرى تحترق، والنزوح الجماعي يتواصل. كثيرون يقطعون مئات الكيلومترات سيرًا للوصول إلى مناطق أكثر أمانًا، لكن الأمن غائب في كل مكان. الجرائم والانتهاكات تتزايد، ولا جهة قادرة على المحاسبة أو التحقيق.
الحرب في السودان ليست مجرد أرقام وإحصاءات! إنها آلاف القصص اليومية لأشخاص نُسوا أو تم نسيانهم. المدنيون ينامون جائعين، العائلات تفقد منازلها، والجرحى بلا طبيب. الواقع الإنساني في السودان صار من بين الأسوأ في العالم، ومع ذلك، القصة ما زالت بلا عنوان على خارطة الاهتمام الدولي. ويظل السؤال الأكبر: كيف يمكن تحقيق السلام وإعادة بناء الدولة والمجتمع بعد سنوات من الصراع والتدمير؟
الحرب في السودان ليست منسية لأنها بعيدة، بل لأنّ نسيانها أسهل على الجميع…

