انشغال اللبنانيين، على امتداد ثلاثة أيام، باستقبال البابا ليو الرابع عشر لن يسدل الستار، في اليوم التالي لانتهاء زيارته التاريخية للبنان، على التجاذبات السياسية التي تتمحور حول حصرية السلاح بيد الدولة، وقانون الانتخاب الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية في ربيع 2026.
ومصير الانتخابات يتأرجح مناصفةً بين إتمامها في الصيف المقبل، أو ترحيلها على نحو يفرض التمديد للبرلمان، ما لم يتأمن الممر الإلزامي لإنجازها في موعدها بامتناع إسرائيل عن توسعة الحرب فور انتهاء العام الحالي، تنفيذاً لتهديداتها بالضغط على «حزب الله» لإلزامه بتطبيق حصرية السلاح، وبتوافق القوى السياسية على تسوية من شأنها أن تُخرج قانون الانتخاب من التأزّم الذي يحاصره.

فإجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، كما يطالب رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يعني، بحسب خصومه، أن الطريق سالك أمام إتمامها في موعدها في ظل تصاعد وتيرة الاشتباك السياسي حول أي قانون ستجرى على أساسه، خصوصاً أنه بحاجة إلى تعديل في جلسة تشريعية، بعد أن أعفت حكومة الرئيس نواف سلام نفسها من تعديله بإحالتها مشروع قانون على البرلمان يقضي بشطب المادتين 112 و122 من القانون، بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً.
فاعتماد القانون النافذ، كما يقول خصوم بري لـ«الشرق الأوسط»، يتطلب في مطلق الأحوال تعديله بتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وإصدار المراسيم التطبيقية الخاصة باستحداث الدائرة الانتخابية السادسة عشرة، وتوزيع المقاعد الستة لتمثيل الاغتراب على القارات، ما يلقى معارضة يصعب تجاوزها بذريعة أنها تمثل، من وجهة نظر الغالبية، الأكثرية النيابية.
لذلك يقف لبنان على بُعد خمسة أشهر وأسابيع قليلة من موعد إجراء الانتخابات النيابية في ربيع 2026، من دون أن تلوح في الأفق حتى الآن بوادر انفراج للتوصل إلى تسوية حول القانون، مع أن الرؤساء الثلاثة يصرون على إنجازها في موعدها.
لكن كيف؟ وعلى أي أساس؟ ومتى؟ رغم أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون يصر على إتمامها بلا أي تأخير، وإعطاء الحق للمغتربين بالاقتراع أسوةً بالمقيمين.

وفي هذا السياق، تسأل مصادر نيابية: هل الأبواب لا تزال موصدة أمام التوصل إلى تسوية تكون ممراً إلزامياً لإجراء الانتخابات، بالتلازم مع توفير الضمانات الدولية بعدم قيام إسرائيل بتوسعة الحرب مع انتهاء العام الحالي؟ وإلا فإن تأجيلها حاصل لظروف أمنية قاهرة.
وتؤكد أنه لا مجال للقفز فوق تعديل القانون، لأن التعديلات بحاجة إلى تشريع، ولا يمكن إصدارها بقرار حكومي.
وتلفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لا مجال لفتح أبواب البرلمان لتعديل القانون ما لم يتم التوصل مسبقاً إلى تسوية تمهد لدعوة الهيئة العامة لعقد جلسة تشريعية تخصص لتعديل القانون.
صلاحيات بري
وتقول، من وجهة نظرها، إن دعوتها للانعقاد هي من صلب صلاحيات رئيس البرلمان. وتضيف أن بري يربط دعوته الهيئة العامة للانعقاد بالتفاهم المسبق على التعديلات المقترحة على القانون لقطع الطريق على تمرير المقترحات التي يطالب بها خصومه الذين يتصرفون، من وجهة نظرهم، على أنهم يمثلون الأكثرية في البرلمان، ولديهم القدرة لشطب المادتين 112 و122 منه بما يتيح للمغتربين الاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، وهذا ما يفسر تأييدهم المطلق لاقتراح الحكومة.
تسوية مفاجئة؟
وتؤكد أن بري يتحسب، بدعوته الهيئة العامة للانعقاد، لحصول مفاجأة ليست في الحسبان تؤدي لتغليب وجهة نظر خصومه بإقرار التعديلات التي يطالبون بها، وبالتالي لا مفر من التفاهم قبل انعقادها على تسوية تعبّد الطريق أمام إنجاز الاستحقاق النيابي. وترى أنها تنص على صرف النظر عن تمثيل الاغتراب اللبناني بـ6 مقاعد، في مقابل حصر اقتراع المنتشرين بمجيئهم إلى لبنان لتأدية حقهم في اختيار ممثليهم في الندوة النيابية.
موسم المغتربين
وتقول المصادر نفسها إن عون وسلام لا يريدان حرق المراحل، وإن ما يهمهما هو إجراء الانتخابات في موعدها، ويلتقيان بذلك مع بري، ولن يعترضا على التوصل إلى تسوية تقرها الهيئة العامة في جلسة تشريعية تعقدها لهذا الغرض، وليس لأي سبب آخر.
ترحيل وعطلة صيفية
وتؤكد أن التوافق عليها سيفتح الباب أمام تأجيل إنجازها نظراً لضيق الوقت إلى مطلع الصيف المقبل، إفساحاً في المجال أمام مجيء المغتربين إلى لبنان لتمضية عطلتهم الصيفية، وتأديتهم لواجبهم الانتخابي.
وترى أن قدوم المغتربين في أوائل الصيف سيؤدي لتحريك العجلة الاقتصادية، وإنعاش المرافق السياحية، هذا في حال أن الضغوط الدولية، وتحديداً الأميركية، على إسرائيل ستؤدي لتوفير الأجواء الآمنة لتمرير الاستحقاق الانتخابي الذي تنظر إليه واشنطن على أنه محطة لإحداث تغيير في ميزان القوى يأخذ في الاعتبار التحولات في المنطقة، ولبنان.

ويبقى السؤال: هل تتقدم حصرية السلاح، من منظور أميركي ودولي جامع، على إتمام الاستحقاق النيابي، ما يقلق لبنان على المستويين الرسمي والشعبي بغياب الضمانات الأميركية للجم جنوح إسرائيل نحو توسعتها للحرب، رغم أنه لا مجال للعودة عن حصريته.
جناح الدولة
وعليه، بات على «حزب الله» أن يكف عن مكابرته، وإنكاره للواقع، وأن تتخذ قيادته قرارها بالانضواء تحت جناح الدولة في خيارها الدبلوماسي لتحرير الجنوب، كونها وحدها توفر الحماية للبنانيين، وتدفع بالإدارة الأميركية أن تضغط على إسرائيل لإعادة الاعتبار لاتفاق وقف الأعمال العدائية تطبيقاً للقرار 1701، مع تأكيد مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أن الخطاب الأخير للشيخ نعيم قاسم لا يشبه الواقع السياسي الراهن، وهو يحاكي فيه بيئته بدلاً من أن يبادر إلى رفع الضغوط الخارجية على لبنان بأن يتوجّه للبنانيين بموقف شجاع وجامع يضع حصرية السلاح بعهدة الدولة بتخليه عن تمسكه به لشراء الوقت الذي من شأنه تعريض لبنان لمزيد من الأخطار، مع مواصلة إسرائيل الضغط بالنار عليه، وتهديدها بتوسعة الحرب، وغياب الضمانات لتطويقها.

