
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات تحولات جيوسياسية متسارعة، غير أن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الدائرة الآن شكّلت نقطة تحول خطيرة على مستوى الإقليم والنظام العالمي، حيث تطرح هذه الحرب تساؤلات جوهرية عن موازين القوى ومستقبل النفوذ الإقليمي، من أبرزها: هل يقبل النظام العالمي بفرض إسرائيل هيمنتها على الشرق الأوسط بعد هذه الحرب؟
رغم أن بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترى في تعزيز قوة إسرائيل أداة لضمان أمن واستقرار المنطقة في وجه ما تعتبره الخطر الإيراني، فإن فرض هيمنة إسرائيل الكاملة على الشرق الأوسط يتعارض مع التوازنات الدقيقة التي تحرص واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون على الإبقاء عليها.
فالولايات المتحدة تدعم أمن إسرائيل، لكنها لن تسمح بخطوات توسعية تفجّر الوضع الإقليمي أو تزعزع علاقتها مع حلفائها العرب، وكذلك فان الاتحاد الأوروبي: يُبدي قلقًا متزايدًا من تنامي الأحادية الإسرائيلية، خصوصًا في ظل تجاهل عملية السلام الفلسطينية، أما روسيا والصين فرغم حيادهما النسبي أثناء الحرب، فإنهما لن تقبلا على المدى البعيد بإقصاءهما من ترتيبات المنطقة، خاصة في سوريا والخليج.
ما من شك أن أي محاولة لفرض هيمنة إسرائيلية ستُواجَه برفض شعبي ورسمي في دول المنطقة، حتى من تلك التي وقّعت اتفاقيات تطبيع. فالتوازن الإقليمي لا يُبنى على تفوّق طرف واحد، بل على شبكة من العلاقات والتحالفات المتداخلة. من هنا فإن السعودية، قد تعيد تقييم موقفها، إذا ما شعرت أن إسرائيل تسعى لتجاوز حدود الشراكة الأمنية إلى التأثير السياسي المباشر.
كما ان تركيا تسعى إلى تحقيق توازن بين عضويتها في حلف الناتو ووجودها في الشرق الأوسط، ولن تقبل بتفوق اسرائيلي في المنطقة.
فتركيا تسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفه تراجع النفوذ الإيراني في بعض مناطق الشرق الأوسط، خاصة بعد التغيرات في سوريا. هذا التوجه يضعها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي تعتبر إيران خصمًا تقليديًا. وبالتالي، فإن تركيا تجد نفسها في موقع يمكنها من التأثير على موازين القوى الإقليمية، مما يعزز من مكانتها كقوة محورية، وهذا ما يحّتم عليها الحؤول دون استلام اسرائيل زمام المبادرة في المنطقة.