
حرصت الموفدة الفرنسية آن كلير لو جندر خلال جولتها في بيروت، وعقدها سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين، على التأكيد أن باريس ما زالت ترى في لبنان أولوية على جدول اهتماماتها، سواء على مستوى الاستقرار السياسي أو الأمني. كما أن زيارتها إلى دمشق كانت خطوة لافتة عكست أيضًا رغبة فرنسية واضحة في فتح مسار تفاوضي متكامل بين لبنان وسوريا تحت عنوان ترسيم الحدود وتعزيز التعاون الأمني.
وإلى جانب الملف الحدودي، حملت لو جندر اهتمامًا فرنسيًا متجدّدًا بتعزيز المؤسسات العسكرية اللبنانية، حيث عبّرت بوضوح عن حماستها لانعقاد مؤتمر دعم الجيش الذي تسعى باريس إلى تنظيمه في أسرع وقت ممكن، معتبرة أن تحصين المؤسسة العسكرية هو ركيزة أساسية لمنع أي اهتزاز أمني في لبنان وسط الظروف الإقليمية المتقلّبة.
وتتريّث باريس حاليًا في تحديد موعد نهائي للمؤتمر بانتظار تنسيق أوسع مع المملكة العربية السعودية، التي تؤكّد الدبلوماسية الفرنسية أنها تبدي حماسة واضحة للمساهمة في دعم الجيش اللبناني، سواء عبر مبادرات مباشرة أو عبر مظلة دعم دولية. وتعتبر باريس أن انخراط السعودية يشكّل عاملًا حاسمًا لإنجاح المؤتمر ولتأمين تمويل مستدام للمؤسسة العسكرية.
إن الجولة التي قامت بها لو جندر توحي بأن فرنسا تعمل على مقاربة متكاملة لمشاكل لبنان، ولا تقتصر على المعالجات الموضعية، بل تسعى لفتح مسار سياسي ـ أمني مزدوج بين بيروت ودمشق، وربطه بمسار دعم الجيش، في محاولة لإعادة تأمين أجواء من الاستقرار في لبنان انطلاقًا من محيطه المباشر.
وفيما ينتظر لبنان انعكاسات هذه التحرّكات، يبدو أن باريس تراهن على استثمار لحظة سياسية إقليمية تسمح بإعادة إطلاق ملفات كانت جامدة منذ سنوات، معوّلة على تعاون لبناني ـ سوري وعلى دعم عربي أوسع، لعلّه يشكّل بداية مسار جديد يضع حدًّا لدوامة الأزمات اللبنانية المتلاحقة.

