
في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحول في مسار ضبط الأمن وتعزيز سلطة الدولة، بدأت الجهات الأمنية المختصة أمس تنفيذ المرحلة الأولى من خطة سحب السلاح من المخيمات الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص مخيم برج البراجنة كخطوة أولى على أن يلي ذلك مخيم البص في صور.
ويأتي ذلك بعد أشهر من المشاورات واللقاءات السياسية والأمنية بين الدولة اللبنانية وممثلي الفصائل الفلسطينية والقوى المدنية داخل المخيمات.
لطالما شكّلت قضية السلاح غير الشرعي في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان، واحدة من أعقد الملفات الأمنية والسياسية. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية، بقيت هذه المخيمات خارجة جزئيًا عن سلطة الدولة، حيث انتشرت فيها التنظيمات المسلحة، وتحوّلت إلى ما يشبه “جزرًا أمنية” ، تُستعمل أحيانًا لتصفية الحسابات أو كملاجئ لمطلوبين.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقات سابقة تهدف إلى تنظيم الوضع الأمني داخل هذه المخيمات، فإن معظمها لم يُنفذ بشكل كامل بسبب تعقيدات الواقع الفلسطيني الداخلي، والانقسامات بين الفصائل، والخشية من انفجار الوضع الاجتماعي.
من المعلوم أن تنسيق العملية التي بدأت أمس تتم بتنسيق دقيق بين الدولة وقوى فلسطينية رئيسية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، وبغطاء سياسي إقليمي ودولي. ويبدو أن الخطة ستُنفّذ تدريجيًا، وفق جدول زمني مدروس، وبما يراعي خصوصية كل مخيم وظروفه الاجتماعية والسياسية”.
ووفق المعلومات أن المرحلة الأولى ستشمل نزع الأسلحة الثقيلة، والمراكز العسكرية غير الرسمية، وتفكيك بعض الحواجز داخل المخيمات. وفي المقابل، جرى طمأنة السكان بأن العملية لا تستهدف وجودهم ولا حقوقهم، بل تهدف إلى ضمان أمنهم وحمايتهم من الفوضى.
حتى هذه اللحظة لقيت الخطوة ترحيبًا واسعًا من قبل فاعليات سياسية ومجتمعية، خصوصًا من سكان المخيمات الذين عانوا لسنوات من الفلتان الأمني وغياب سلطة واضحة.
في المقابل تحذّر بعض الفصائل المتشددة من أن نزع السلاح يجب ألا يكون مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية أو تقليص دور المقاومة، داعية إلى مراقبة تنفيذ الخطة بعناية لمنع أي انحراف عن أهدافها المعلنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد؟
رغم أن الخطوة الأولى تبدو ناجحة في يومها الأول، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في استمرار التنسيق، وبناء الثقة، وتقديم بدائل اقتصادية واجتماعية لأبناء المخيمات. فالسلاح في هذه البيئة لم يكن مجرد وسيلة قتال، بل تحوّل لدى البعض إلى أداة للنفوذ أو حتى للبقاء في ظل غياب فرص العمل والخدمات.
ويرى متابعون أن نزع السلاح لا يمكن أن ينجح إلا ضمن خطة متكاملة تشمل تحسين ظروف العيش، وإطلاق مشاريع تنموية، وتفعيل الحوار السياسي الفلسطيني الداخلي، بما يعزز مناعة المجتمع ضد عودة الفوضى.
نخلص إلى القول: إذا كُتب لهذه الخطوة أن تنجح، فستكون بداية حقيقية لاستعادة هيبة الدولة وتحصين الأمن الوطني، بعيدًا عن الشعارات والخطابات. ويبقى الأمل أن تكون هذه العملية نموذجًا يُحتذى في إدارة الملفات المعقدة في لبنان بروح الحوار، لا منطق القوة.