
يشهد السوق اللبناني منذ بضعة أشهر تهافُتًا غير مسبوق من المواطنين على شراء الذهب، في ظلّ الانهيار الاقتصادي المستمر والتقلبات السياسية التي تعصف بالعالم ولبنان، حيث أصبح الذهب بالنسبة لكثير من اللبنانيين ليس فقط زينةً أو وسيلة ادّخار، بل “ملاذًا آمنًا” يحتمون به من غدر العملة الوطنية ومخاطر تقلبات الدولار نتيجة الكباش الدولي الحاصل، لا سيّما بين أميركا والصين.
بعد تراجع الثقة في النظام المصرفي اللبناني منذ عام 2019، وسحب المصارف يدها عن الودائع بالدولار، اتجه اللبنانيون نحو وسائل بديلة للحفاظ على قيمة أموالهم، وقد تصدّر الذهب هذه البدائل، باعتباره لا يفقد قيمته بسهولة، بل غالبًا ما يرتفع سعره في أوقات الأزمات السياسية أو الاقتصادية، على النحو الحاصل اليوم في العديد من الأماكن في هذا العالم.
واللافت أنه رغم ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، واستمرار سعر صرف الدولار في السوق السوداء بالتأرجح، فإن طلب اللبنانيين على الذهب لم يتراجع، بل ازداد، خصوصًا عندما يسمع الناس عن احتمال انهيار جديد في سعر الليرة أو فرض قيود جديدة على التحويلات، أو انخفاض في قيمة الدولار عالميًّا.
هذا التوجّه الشعبي نحو الذهب يعكس تحوّلًا في عقلية اللبنانيين المالية، فبعد أن كانت الودائع المصرفية لعقود طويلة مصدر ثقة وعائد مضمون، بات اللبناني اليوم يفضّل خزن أمواله في منزله، ولو على شكل أونصات أو ليرات ذهبية، بدلًا من تركها رهينة قرارات مصرفية قد لا تكون في صالحه. فالذهب في لبنان أصبح أكثر من مجرد معدن ثمين، وقد تحوّل إلى عنوان للأمان في زمن القلق، ورمز للثقة. فبينما تتوالى الأزمات دون أفق للحل، يستمر الذهب في جذب اللبنانيين، لا كتفاخر اجتماعي، بل كخيار وجودي لحماية ما تبقّى من استقرارهم المالي.
وفي هذا السياق، تشجّع مصادر تعمل في هذا القطاع على شراء الذهب في هذه المرحلة، على الرغم من تأرجح الأسعار بين الارتفاع والهبوط، لأن في ذلك حماية للمدخرات، عدا هدف الربح.