
في ظلّ الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، تتّجه العديد من الحكومات في العالم إلى زيادة الضرائب أو فرض ضرائب جديدة في محاولة لتغطية العجز المالي وسدّ الفجوات في الموازنة العامة. ومع ذلك، فإنّ غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة والتخطيط السليم يؤدّي إلى ما يمكن وصفه بـ”تخبّط حكومي”، تظهر تجلّياته في قرارات مرتجلة تتعلّق بالضرائب، تكون آثارها السلبية أوسع من منافعها المؤقّتة، وهذا ما يحصل في لبنان، حيث عادةً ما كانت تأخذ الحكومات المتعاقبة قرارات ضريبية كانت بمثابة ضربة على رأس الشعب اللبناني، وتحديدًا أصحاب الدخل المحدود.
من المعلوم أنّ لبنان يعيش منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة، تُعدّ من الأسوأ عالميًّا بحسب تقارير البنك الدولي. وفي قلب هذه الأزمة، يظهر اليوم تخبّط الحكومة اللبنانية في إدارة الملف الاقتصادي والمالي، حيث تأخذ قرارات مرتبكة، خاصةً فيما يتعلّق بالضرائب، فتزيد من معاناة المواطن بدل أن تساهم في الحل. وكان آخر هذه القرارات رفع سعر صفيحة البنزين مائة ألف ليرة من دون أيّ مقدمات.
فبدل أن تعتمد الحكومة خطة إصلاح شاملة تُعالج مكامن الهدر والفساد، يبدو أنّها ستلجأ إلى فرض ضرائب جديدة أو رفع القديمة بشكل اعتباطي وغير مدروس. من رفع الدولار الجمركي، إلى الضرائب على الاتصالات والخدمات الرقمية، وصولًا إلى رسوم غير مبرّرة على معاملات المواطنين، وبذلك، تبدو الحكومة كأنّها تسعى لسدّ عجزها من جيب المواطن المنهك أصلًا.
ما يزيد الطين بلّة هو انعدام الشفافية، فالمواطن اللبناني يدفع ضرائب ورسومًا مرتفعة مقارنة بالخدمات المتردّية التي يحصل عليها، سواء في الكهرباء، أو المياه، أو التعليم الرسمي، أو الرعاية الصحية. هذا التناقض الصارخ يخلق شعورًا عامًّا بأنّ الضرائب لا تُوظّف لخدمة الصالح العام، بل تذهب لسدّ عجزٍ ناتج عن سوء إدارة مزمن ومحاصصة طائفية عطّلت مؤسّسات الدولة.
إنّ تخبّط السياسات الضريبية في لبنان لا يقتصر على الإرهاق المالي للمواطن، بل يؤثّر أيضًا في الاقتصاد الوطني. إذ إنّ غياب بيئة مستقرة يدفع بالمستثمرين إلى الهرب، ويُضعف ثقة الداخل والخارج في الاقتصاد اللبناني، ما يفاقم الأزمة بدل حلّها.
وبذلك، فإنّ استمرار الحكومة اللبنانية في معالجة الأزمة عبر جيب المواطن فقط هو مسار انتحاري، فالحلّ لا يكون بفرض الضرائب، بل بإصلاح المؤسّسات، ووقف الهدر، واسترداد الأموال المنهوبة، ووضع خطة إنقاذ حقيقية بشفافية ومشاركة شعبية. فالدولة لا تُبنى بالجباية، بل بالعدالة والمساءلة.