
لم تكن الزينة التي رُفِعت أمام محلات “باتشي” في وسط بيروت مجرد عنصر تجميلٍ احتفاليٍّ في الشارع، فمع انطلاق الموسم الميلادي ورأس السنة، برزت أشكالٌ ضوئية وزخرفاتٌ اعتبرها كثيرون أقرب إلى الطابع الرمضاني منها إلى روحية العيد. هذا الالتباس الجماليّ تحوّل سريعًا إلى مادةٍ سجالية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من وجد فيها مسًّا بهوية الميلاد، وبين من رأى أنها محاولةٌ مبتكرة للخروج عن الأنماط التقليدية.
لكن المشهد الخلافي انقلب تمامًا عند الواجهة البحرية وساحة الشهداء، حيث اجتمع اللبنانيون حول البابا لاون الرابع عشر، الذي شكّل حضوره حالةً وجدانيةً مختلفة. هنا لم يعد السؤال حول مكان الاحتفال أو رمزيته، بل حول المعنى الأعمق لوجود شخصيةٍ روحيةٍ عالميةٍ في مدينةٍ تبحث عمّا يوحّدها.
بدا البابا، ولو للحظات، نقطةَ التقاءٍ بين أبناء بلدٍ اعتاد الانقسام، كأن الحضور لم يعد مرتبطًا بالطائفة أو الهوية الدينية، بل برغبةٍ جماعيةٍ في التقاط ما تبقّى من أمل.
اللافت أنّ الساحتين القريبتين جغرافيًا بدتا بعيدتين في دلالاتهما. وسط بيروت حمل رمزيةَ الانقسام تحت عنوان الزينة، فيما حملت ساحتا الشهداء والواجهة البحرية رمزيةَ الوحدة تحت ظلّ البابا. كأنّ العاصمة تقول إنّ الأزمة ليست في الفعل نفسه، بل في الطريقة التي يختار اللبنانيون من خلالها قراءة المشهد.
لقد كشفت هذه المناسبة أنّ اللبنانيين، رغم كل الانقسامات، يملكون قابليةً سريعةً للتوحد عندما يجدون قيمةً معنويةً مشتركة. كما أكدت أنّ بيروت، بوجهيها المختلفين، ما زالت قادرةً على لعب دور المنصة التي تختبر عليها البلاد مشاعرها ومواقفها.
بين زينةٍ أثارت النقاش وحضورٍ بابويٍّ جمع الناس، تتأرجح بيروت كالعادة بين أزمتها وإمكاناتها. لكنها، رغم كل شيء، تظلّ المدينة التي تعرف كيف تلمّ جراحها… وكيف تبحث عن شفاءٍ جماعيٍّ مهما طال الزمن.

