اتهامات التجسس وتشكيل الحكومة يعززان الصراعات الحوثية
عاد التنافس بين الأجنحة والقيادات الحوثية حول مراكز النفوذ إلى الواجهة مدفوعاً بالرغبة في تشكيل حكومة جديدة خلفاً للحكومة غير المعترف بها التي اغتالت إسرائيل رئيسها وعدداً من أعضائها، في حين أسهمت الاتهامات بالتجسس في تأجيج الصراع بين الأجهزة الأمنية، في ظل مخاوف زائدة من إمكانية توسع الاختراق الأمني والاستهداف الإسرائيلي.
وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية بدأت مشاورات على مستوى واسع لإعادة تشكيل حكومة جديدة في أقرب فرصة، وسط مساعيها لتجنب توسع الخلافات وصراع الأجنحة حول مراكز النفوذ، في ظل الصعوبات التي تواجهها بفعل المحاذير والاحتياطات الأمنية التي فرضتها عليها المواجهة العسكرية مع إسرائيل.
وكشفت المصادر أن التنافس يشتدّ على مراكز النفوذ ومناصب صنع وإعداد القرارات داخل المؤسسات والقطاعات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة، مع تجنب الحصول على المناصب القيادية التي يقتصر دورها على تمثيل واجهة سياسية شكلية، إذ تسعى الجماعة إلى اختيار من يتولونها من الموالين لها من خارج بنيتها التنظيمية.
وبينما يُرجح أن تختار الجماعة رئيساً وأعضاء لحكومتها الجديدة من الشخصيات الموالية لها من أجنحة الأحزاب السياسية اليمنية التي تخضع لسيطرتها مثل جناح «المؤتمر الشعبي العام» تشير المصادر إلى تهرب كثير من الشخصيات من قبول هذه التعيينات.
وكان القيادي مهدي المشاط، رئيس ما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» (مجلس حكم الانقلاب) كلّف القيادي الآخر في الجماعة، محمد مفتاح، بمهام رئيس الحكومة غير المعترف بها، عقب مقتل الرئيس السابق لها، أحمد غالب الرهوي في هجوم جوي إسرائيلي أواخر أغسطس (آب) الماضي.
وأثارت واقعة اغتيال رئيس الحكومة الحوثية وعدد من أعضائها أواخر الشهر الماضي مخاوف القيادات الحوثية من وجود اختراق أمني كبير يمكن من الوصول إليها كما جرى مع قيادات «حزب الله» اللبناني قبل قرابة العام.
صعوبات مضاعفة
يخشى مختلف الشخصيات السياسية والاجتماعية الموالية للجماعة الحوثية أو المقيمة في مناطق سيطرتها من الارتباط بها خلال هذه الفترة بسبب التصعيد الإسرائيلي، والمواقف الغربية المتشددة إزاء ممارسات الجماعة في الآونة الأخيرة، التي أسفرت عن فرض الولايات المتحدة عقوبات متنوعة ضدها وضد كيانات وشخصيات موالية لها.
كما ترفض الشخصيات السياسية والاجتماعية فكرة تولي مناصب شكلية في الحكومة التي تنوي تشكيلها خشية تعرضها للاستهداف المباشر من إسرائيل.
وتتوقع المصادر أن تفشل الجماعة الحوثية في حسم خلافات أجنحتها وقيادتها حول التعيينات الجديدة، مرجعة ذلك إلى صعوبة عقد لقاءات واجتماعات مباشرة، بل وحتى التواصل بين القيادات عن طريق وسائل الاتصال المعروفة، بعد أن اضطرت إلى اتخاذ احتياطات أمنية مشددة لمنع مراقبتها والوصول إلى أماكن إقامتها وتسهيل استهدافها.
كما يصعب على الجماعة التواصل مع مختلف الشخصيات السياسية والاجتماعية خشية احتمال أن يكون قد جرى تجنيدها للتجسس على الجماعة، ما يمكنها من الحصول على معلومات عن أماكن إقامة أو تحركات القيادات الحوثية التي تواصلت معها.
وإزاء رغبة الجماعة في إظهار تماسكها وعدم تأثير العمليات الإسرائيلية عليها، خصوصاً بعد واقعة اغتيال رئيس وأعضاء الحكومة، ترجح المصادر أن يلجأ زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، إلى إصدار توجيهات بتشكيل حكومة وفق ما تختار له بيئته من الشخصيات، مع محاولته مراعاة رغبات وتوجهات مختلف الأجنحة والقيادات المؤثرة.
تنافس استخباراتي
وازدادت الخلافات بين الأجهزة الأمنية الحوثية المتعددة وقياداتها خلال الفترة الماضية بسبب تعارض المهام، وتبادل الاتهامات بالتجسس وتسريب معلومات حول أماكن إقامة وتحركات قيادات الجماعة.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن الخلافات كانت على أشدها بين القياديين علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، وقائد جهاز الأمن المستحدث المسمى «الشرطة المجتمعية»، والقيادي الآخر عبد الحكيم الخيواني، رئيس جهاز الأمن والمخابرات، بعد اتهامات متبادلة بالتجسس، وإقدام الجهاز الأول على اعتقال شخصيات محسوبة على الجهاز الثاني.
ويتهم الخيواني الحوثي والجهاز التابع له بتجاوز صلاحياته وتنفيذ مهام ليست من اختصاصه، حيث من المفترض أن تتولى «الشرطة المجتمعية» مراقبة المكونات الاجتماعية والسياسية، مثل القبائل والأحزاب والمنظمات والنقابات، غير أنه بدأ بممارسة مهام تحت ذريعة مكافحة التجسس.
كما يُتهم الحوثي في أوساط الجماعة وأجهزتها الأمنية المتعددة بالسعي إلى السيطرة والاستحواذ على القرار الأمني، وتوسيع صلاحياته لتشمل الإشراف والتدخل في مهام وأدوار بقية الأجهزة وتقليص نفوذها.
وأوضحت مصادر «الشرق الأوسط» أن التنافس بين علي الحوثي والخيواني وقيادات أمنية أخرى بدأ بمجرد تشكيل جهاز «الشرطة المجتمعية»، حيث توقعت تلك القيادات أن يسعى إلى الاستحواذ على نفوذها، فحاولت توريطه باعتقال آلاف السكان المحتفلين بثورة «26 سبتمبر»، متوقعة أن يتسبب له ذلك بأزمة تؤدي إلى فشله وتهميشه.
لكن بعد مضي قرابة عام فاجأ نجل مؤسس الجماعة الحوثية مختلف القيادات الأمنية والأجنحة داخل الجماعة بقدرته على مواجهة تلك التحديات وتوسيع نفوذه، مستنداً إلى نفوذ سلالته بقيادة عمه عبد الملك الحوثي.