أظهرت أرقام فلسطينية رسمية أن معدل البطالة في فلسطين خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة ارتفع إلى 50 في المائة في المتوسط، بواقع 34 في المائة في الضفة الغربية، و80 في المائة في قطاع غزة.
وقال «الجهاز المركزي للإحصاء» الفلسطيني، في بيان أصدره الاثنين، بمناسبة اليوم العالمي للإحصاء، إن «عدد العاطلين عن العمل وصل إلى نحو 550 ألف عاطل في الضفة وغزة». فيما ضيّق الاحتلال الإسرائيلي على حركة العاملين في الداخل المحتل.
وكان نحو 180 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل والمستوطنات قبل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بشكل اعتيادي، قبل أن تلغي إسرائيل تصاريحهم.
وانتظر العمال منذ عامين أي تغيير محتمل على القرار الإسرائيلي، لكن ذلك لم يحدث، وقال عامل مقيم في الضفة الغربية، فضّل عدم نشر اسمه، إنه بات «متشائماً» بإمكان عودتهم.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد استُنفدنا تماماً، منذ عامين ونحن بلا مصدر دخل. وحاولت التسلل إلى إسرائيل أكثر من مرة وكدت أُقتل أثناء محاولتي لأوفر لأولادي لقمة العيش. كنت أنتظر لحظة الفرج بانتهاء الحرب، لكنها لم تأتِ». وتساءل بأسى: «هل يجب أن نقتل ونحن نحاول توفير حياة كريمة لأولادنا؟!».
وقتلت إسرائيل الكثير من العمال وهم يحاولون التسلل إلى المناطق التي تحتلها عبر ثغرات في الجدار الفاصل، واعتقلت الآلاف منهم بعد أن وصلوا إلى داخلها دون تصاريح.
وبحسب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فقد «قُتل 40 عاملاً فلسطينياً منذ السابع من أكتوبر 2023 برصاص قوات الاحتلال، وسُجل أكثر من 30 ألف حالة اعتقال في صفوف العمال».
ويضطر العمال إلى المخاطرة بالتسلل، بسبب عدم إعادة إسرائيل تصاريحهم، وانعدام فرص العمل في الضفة الغربية.
ورصدت إسرائيل ازدياد عدد المتسللين في الأشهر الأخيرة، وتقدر أجهزة الأمن الإسرائيلية أنه منذ تقليص التصاريح بعد 7 أكتوبر، يدخل نحو 40 ألف فلسطيني شهرياً إلى إسرائيل بشكل غير قانوني للعمل، أي ضعف عددهم قبل الحرب. وعادة ما يُدفع لهؤلاء العمال نقداً، وغالباً ما يكون ذلك بشكل سري، ويفتقرون جميعاً إلى الحماية القانونية والتنظيمية الممنوحة للموظفين الآخرين.
ورسمياً تسمح إسرائيل حالياً لنحو 7 آلاف عامل فقط من الضفة بدخول مناطقها، وجميعهم مصنفون كعمال أساسيين في قطاعات مثل الضيافة أو تصنيع الأغذية، بينما يعمل 9 آلاف آخرون في المستوطنات أو المناطق الصناعية القريبة.
وعلى الرغم من رغبة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في عودة تدريجية للعمال ترفض الحكومة الإسرائيلية ذلك دون تفسير واضح.
وقالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إنه «بالنسبة للغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين يرغبون في العمل وليس لديهم أي اهتمام بالعنف، فإن خفض التصاريح يُعد بمثابة عقاب مستمر على حرب لم يبدأوها ولم يخوضوها».
وقال أساف أديف، رئيس منظمة «معاً» الإسرائيلية – الفلسطينية لحقوق العمال، التي تمثل العمال الفلسطينيين العاملين لدى إسرائيليين في كل من إسرائيل والضفة الغربية: «هناك معاناة شديدة، ليس فقط بسبب فقدان الدخل، بل أيضاً بسبب الأثر النفسي».
وأضاف أديف: «هؤلاء أناس اعتادوا إعالة أسرهم، وكانوا يرسلون أبناءهم إلى الجامعة، والآن عليهم إخراجهم منها. هؤلاء العمال كانوا يحصلون على دخل أعلى من المتوسط ويعولون عائلاتهم الموسعة. واليوم لا يستطيعون حتى شراء الطعام، إنه أمر محبط للغاية».
وقبل الحرب، كان نحو 100 ألف فلسطيني من الضفة الغربية يعملون داخل إسرائيل، إضافة إلى 40 ألفاً آخرين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الصناعية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية، و20 ألفاً يعملون بلا تصاريح (تهريب) و20 ألفاً من قطاع غزة.
ووفقاً للإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تُدير الشؤون المدنية في الضفة الغربية، فإن 90 في المائة من الفلسطينيين العاملين في إسرائيل قبل الحرب كانوا يعملون في قطاع البناء.
وقال عامل فلسطيني لم يدخل إلى إسرائيل منذ عامين، إنه حاول إدارة مشروع صغير في الضفة لكنه لم ينجح، والآن يعاني الأمرين.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت الحصول على تصريح رسمي بكل الطرق وعبر تقارير طبية، وخفت أن أتسلل. لم ينجح شيء، وهنا لا توجد حركة بناء قوية ولا أجور جيدة. لا أجد ما أُعيل به عائلتي».
وتابع: «نحن ندفع ثمناً كبيراً جداً»، لكن هذا الثمن يُدفع في إسرائيل كذلك.
وصرح تومر تسالياخ، نائب رئيس جمعية المقاولين الإسرائيليين، لـ«تايمز أوف إسرائيل»، بأن قطاع البناء لا يزال يكافح للتعافي. وأضاف: «لقد فقدنا 90 ألف عامل فلسطيني في قطاع البناء. على مدار العامين الماضيين، وصل نحو 50 ألف عامل أجنبي، معظمهم من الهند وسريلانكا. هذا يعني أننا ما زلنا نعاني من نقص نحو 40 ألف عامل للعودة إلى مستويات ما قبل الحرب».
وأشار تسالياخ إلى أنه حتى مع الأجور المرتفعة نسبياً التي يتقاضاها الفلسطينيون، فإن توظيفهم لا يزال أرخص بكثير من توظيف الأجانب الذي يتم عبر شركات القوى العاملة.