لا تزال الصور التي التقطت للرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع قادة الأحزاب السياسية، في غياب حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة، تثير نقاشات ساخنة في أروقة الأحزاب، وكذلك في الشارع التركي.
وتنشغل الأوساط السياسية والإعلامية بتحليل المغزى وراء لقاء إردوغان بقادة الأحزاب، في حفل أقامه رئيس البرلمان نعمان كورتولموش، الأربعاء الماضي، عقب الجلسة الافتتاحية التي تحدث فيها الرئيس. وشمل اللقاء رفاق إردوغان القدامى الذين انشقوا عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وانضموا إلى صفوف المعارضة، وتحديداً رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، رئيس حزب «المستقبل»، ونائب رئيس الوزراء الأسبق على باباجان، رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم».
كما أثار الحوار غير المسبوق بين إردوغان وقادة ونواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، جدلاً شديداً، وإن كان تم وضعه في إطار عملية السلام الداخلي في تركيا، ومناقشة حلِّ حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته.
البحث عن طريق للرئاسة
تتمحور التساؤلات حول ما إذا كان الهدف من هذا اللقاء هو زيادة الضغط على حزب «الشعب الجمهوري»، وإظهاره معزولاً، أم هو مقدمة لتشكيل تحالف جديد يضمن لإردوغان تمرير دستور جديد في البرلمان، أو ضمان إقراره حال اضطر للجوء إلى الاستفتاء الشعبي عليه، أو ضمان أغلبية 360 نائباً من أصل 600 للدعوة إلى انتخابات مبكرة، من أجل فتح الطريق أمامه للترشح مجدداً لرئاسة البلاد، دون مشاركة «الشعب الجمهوري».
ولا يسمح الدستور الحالي إلا بفترتين رئاسيتين، تستمر كل منهما 5 سنوات. وبينما يقضي إردوغان بالفعل ولايته الثالثة حالياً، فإنه جادل بأن ولايته الأولى جاءت قبل انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وتطلَّب هذا الانتقال في نظام الحكم إجراء استفتاء دستوري عام 2017، منح إردوغان صلاحيات واسعة، ولكنه ما زال يُقصِر عدد الولايات الرئاسية على فترتين فقط.
ويستند الجدل حول لقاء إردوغان بقادة من المعارضة، الأسبوع الماضي، إلى قضية أهلية ترشحه للرئاسة مرة أخرى، والتي قد تتطلب إما تصويت البرلمان على إجراء انتخابات مبكرة بأغلبية 360 صوتاً على الأقل، وإما أن يتم إجراء تعديل دستوري أو وضع دستور جديد.
وفي ظل حقيقة أن المقاعد البرلمانية لـ«تحالف الشعب» (حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية») غير كافية، فإن هناك حاجة إلى أصوات أحزاب من المعارضة -على الأقل- للدعوة إلى انتخابات مبكرة أو طرح الدستور للاستفتاء.
ويصف مسؤولون في حزب «العدالة والتنمية» ظهور رئيسه، إردوغان، مع قادة الأحزاب، بأنه «صورة لعصر جديد في السياسة»، وتوجيه رسالة بشأن تعزيز الجبهة الداخلية في تركيا.
وحسب تقييم آخر داخل الحزب، تُشير خطوة إردوغان إلى البحث عن تحالفات جديدة تهدف إلى حل مشكلة انتخاب الرئيس، وقاعدة الفوز بـ«50 في المائة + 1»، وأنه بهذه الطريقة قد يفتح الباب أمام عودة داود أوغلو الذي أُجبر على الاستقالة من رئاسة الحزب كما أكد بنفسه، وباباجان الذي ترك الحزب بطريقة أكثر سلاسة.
انتخابات مبكرة
وذهب الصحافي مراد يتكين إلى أن نشر الرئاسة التركية صور إردوغان وهو يصافح باباجان وداود أوغلو وجلوسهما عن يساره، بينما جلس الرئيسان المشاركان لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، تونجر باكيرهان وتولاي حاتم أوغلاري، عن يمينه، يُعيد إلى الأذهان سيناريو آخر، تحدث عنه كبير المستشارين القانونيين لإردوغان، محمد أوتشوم.
وكان أوتشوم قد ذكر -منذ أشهر- أن حزب «العدالة والتنمية» لن يحتاج إلى وضع دستور جديد للبلاد، أو إجراء تعديل للدستور لإعادة ترشيح إردوغان للرئاسة، وهو ما اعتُبر إشارة إلى الدعوة لانتخابات مبكرة بتأييد 360 نائباً بالبرلمان. ويملك حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» (تحالف الشعب) 319 مقعداً، ويحتاجان إلى دعم من أحزاب أخرى.
وقال يتكين إن إردوغان حاول من خلال هذه الصور إعطاء انطباع بوجود «جبهة موحدة ضد حزب (الشعب الجمهوري)».
مواقف ثابتة للأحزاب
أما الأحزاب التي ظهر قادتها في الصور مع إردوغان، فتباينت مواقفها في تبرير الأمر، ولكنها أجمعت على أن هذه الصور لا تعني أن هناك اتجاهاً للتحالف مع إردوغان أو التخلي عن معارضته، وأن تناول الشاي معه في افتتاح البرلمان، لا يعني بالضرورة ترك معارضته.
وبدوره، انتقد رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، التأويلات التي ذهب إليها بعض كتاب المقالات، وكذلك الحديث المكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه الصور، قائلاً إن ما حدث «أمر طبيعي»، وإنه «تواصل مع قادة الأحزاب المشاركين في اللقاء بعد انعقاده»، وأن العلاقة بينهم «لم تتأثر».
وأكد أوزيل، في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية ليل السبت- الأحد، أن قرار مقاطعة حزبه افتتاح السنة التشريعية الجديدة للبرلمان كان صائباً، بسبب ما يتعرض له الحزب من حملات، اتهم إردوغان بالوقوف وراءها، وأن مشاركة حزبه في استقبال إردوغان واللقاء به كان سيصبح إهانة للناخبين.
ورداً على الانتقادات الموجهة إليه بشأن قرار مقاطعة افتتاح البرلمان، لجهة أنه تصرف غير ديمقراطي، قال أوزيل إن حزبه «لم يقاطع البرلمان، وإنما قاطع إردوغان».