كشف مسؤولون عن تفاصيل مسودة خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي أسفرت عنها محادثات برلين بين وفود من الولايات المتحدة وأوكرانيا وعدد من المسؤولين الأوروبيين، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقال المسؤولون، الذين قالت الصحيفة إنهم اطلعوا على مسودات تفصيلية للخطة التي سيتم عرضها على الروس، إن الخطة الأميركية الأوروبية تقضي بردع أي هجمات روسية مستقبلية على أوكرانيا عبر بناء جيش أوكراني أكثر قوة، ونشر قوات أوروبية داخل البلاد، وتوسيع نطاق عمل الاستخبارات الأميركية.
ويجري الحديث عن وثيقتين تحددان الضمانات الأمنية المقترحة، والتي تم التوافق بشأنها خلال اجتماعات، استغرقت يومين في برلين، بين دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين وقادة أوكرانيين.
وتهدف الوثائق الأمنية إلى أن تكون حجر الأساس لاتفاق أوسع بشأن التوصل إلى وقف لإطلاق النار ينهي نزاعاً دخل عامه الرابع تقريباً بين روسيا وأوكرانيا.
كما تهدف إلى إقناع أوكرانيا بتقديم تنازلات إقليمية في إطار اتفاق سلام والتخلي عن السعي إلى الانضمام الرسمي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
تفاصيل الوثائق الأمنية لإنهاء حرب أوكرانيا
وذكر مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن الوثائق الأمنية صيغت خلال أكثر من 8 ساعات من المناقشات المكثفة مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي ومساعدين آخرين لأوكرانيا في برلين، يومي الأحد والاثنين، بمشاركة قادة كبار ومسؤولين في الأمن القومي من نحو 12 دولة أوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا.
وتتضمن إحدى الوثيقتين مبادئ عامة، قال مسؤولان أميركيان وعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين إنها ترقى إلى التزام يشبه ضمانة “المادة الخامسة” في حلف الناتو، التي تتعهد فيها جميع الدول الأعضاء بالدفاع عن أي دولة تتعرض لهجوم.
أما الجزء الثاني من الاتفاق، والذي وصفه مسؤولون أميركيون بأنه “وثيقة تشغيل عسكرية ـ عسكرية”، فيقدم تفاصيل أكثر دقة، ويشرح كيفية عمل القوات الأميركية والأوروبية مع الجيش الأوكراني لضمان عدم محاولة روسيا مجدداً الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية في السنوات المقبلة.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن أشخاص مطلعين قولهم إن الوثيقة التشغيلية تتضمن عدداً كبيراً من التوجيهات المحددة المصممة لطمأنة أوكرانيا في سيناريوهات مختلفة لاحتمالات توغل روسي.
وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الوثيقة “شديدة التفصيل” في كيفية ردع أي توغلات إضافية ومعاقبة روسيا إذا حدثت.
وتتمثل الأولوية الأولى في وضع خطة لخفض حجم الجيش الأوكراني إلى مستوى “زمن السلم” ليبلغ نحو 800 ألف جندي، مع تدريب وتجهيز حديثين، ليكون رادعاً قوياً في مواجهة روسيا.
وخلال الحرب، زادت أوكرانيا من قوات جيشها لتقترب من 900 ألف جندي، فيما يبلغ قوام الجيش الألماني، على سبيل المثال، نحو 180 ألف جندي.
وقالت قيادات عشر دول أوروبية وكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك، إن بناء مثل هذه القوة والحفاظ عليها سيتطلب “دعماً مستداماً وكبيراً” لأوكرانيا.
وأشار دبلوماسي أوروبي، دون الخوض في التفاصيل، إلى أن الوثيقة تتضمن بنوداً “محددة للغاية” بشأن العتاد العسكري الذي تحتاجه أوكرانيا.
قوة عسكرية أوروبية في أوكرانيا
كما تورد الوثيقة تفاصيل حول قوة عسكرية تقودها أوروبا لمساعدة أوكرانيا من خلال العمل داخل البلاد لتأمين الأجواء والبحار. وامتنع المسؤولون عن تحديد الدول التي ستنشر قواتها في أوكرانيا، لكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي قال، الثلاثاء، إن عدة دول تعهدت بذلك سراً.
ومن المتوقع أن تتمركز هذه القوات في غرب أوكرانيا، بعيداً عن أي خط لوقف إطلاق النار، لتشكل مستوى إضافياً من الردع ضد أي عدوان روسي مستقبلي.
وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف في لاهاي: “كل دولة باتت تفهم بالفعل دورها أو حجم الإمدادات التي ستقدمها، فبعضها مستعد لتقديم الاستخبارات فقط، وآخرون مستعدون لإرسال قوات إلى أوكرانيا.. وجود عسكري فعلي على الأرض.. تنص الوثيقة على ذلك”.
ويدير دبلوماسيون فرنسيون وبريطانيون مقترح نشر قوات أوروبية في أوكرانيا ضمن مجموعة تضم نحو 30 دولة يطلقون عليها اسم “تحالف الراغبين”.
ووصف الدبلوماسي الأوروبي التعهدات الواردة في الوثيقة الأمنية بأنها بمثابة قائمة خيارات يمكن لكل حكومة أن تختار منها مستوى الدعم الذي تريده.
واستبعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مراراً إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، توضح الوثيقة التشغيلية كيف ستستخدم الولايات المتحدة منظوماتها الاستخباراتية الواسعة للمساعدة في مراقبة وقف إطلاق النار ورصد أي نشاط روسي يهدف إلى إعادة التوغل في بقية الأراضي الأوكرانية، بحسب مسؤولين.
كما ستسهم الولايات المتحدة في التحقق من التزام روسيا، وضمان ألا تتطور مناوشات محدودة بين الجانبين إلى حرب جديدة.
وتشرح الوثيقة أيضاً كيف ستساعد الولايات المتحدة في كشف محاولات روسية لتنفيذ عمليات “تحت راية كاذبة” قد تمنح موسكو ذريعة لاستئناف الأعمال العدائية، وهو أسلوب قال مسؤولون منذ سنوات إنه تكتيك روسي شائع.
المفاوضات تتقدم
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الثلاثاء: “نشهد تقدماً حقيقياً وملموساً.. وهذا التقدم أصبح ممكنا بفضل التوافق بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة”.
ومع ذلك، لا يزال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار بعيد المنال في الوقت الراهن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا ليست طرفاً في هذه المفاوضات. وأي اتفاق لإنهاء القتال سيتطلب تنازلات كبيرة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في حين يبدي زيلينسكي تحفظات على المقترحات الأميركية، لا سيما ما يتعلق بالتنازلات الإقليمية، لم يُظهر بوتين أي مرونة في مطالبه.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، الثلاثاء، إن حكومته متمسكة بمطلب تسليم أوكرانيا الأجزاء المتبقية من إقليم دونباس التي لم تسيطر عليها روسيا بعد، وإنها لن تقبل بوجود قوات من دول الناتو على الأراضي الأوكرانية.
وأقر مسؤولون أميركيون طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، الاثنين، بأن مسألة الأراضي لا تزال عقبة رئيسية، لكنهم أعربوا عن ثقتهم، رغم التصريحات العلنية لبوتين، في أنه سيقبل بنهاية المطاف بوجود قوات أوروبية في أوكرانيا شرط ألا تعمل تحت مظلة حلف الناتو.
وللمرة الأولى منذ أشهر، قال مسؤولون أوروبيون إنهم يعملون بانسجام مع المفاوضين الأميركيين ومع الرئيس دونالد ترمب، لكن بعض القادة الأوروبيين لمحوا إلى استمرار مخاوف من أن تصبح كل الجهود الدبلوماسية مع الأميركيين بلا جدوى إذا تعذر حل الخلافات الجوهرية بين روسيا وأوكرانيا.
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك: “بدت الأمور واعدة للغاية مقارنة بالتصريحات السابقة، لا سيما أن الأميركيين مستعدون لتقديم ضمانات، لكن سيكون من المبالغة القول إننا نعرف كل التفاصيل العملية الدقيقة”.
آلية لمراقبة وقف إطلاق النار
وجاء في بيان قادة الدول الأوروبية، الصادر يوم الاثنين، أن الولايات المتحدة ستقود “آلية لمراقبة وقف إطلاق النار والتحقق منه بمشاركة دولية، لتوفير إنذار مبكر لأي هجوم مستقبلي”.
ولم يتضح ما إذا كانت القوات الأميركية ستتدخل أو كيف ستفعل ذلك للدفاع عن القوات الأوروبية في أوكرانيا إذا تعرضت لهجوم.
وكان أحد أبرز مخاوف زيلينسكي يتمثل في خشية فشل الضمانات الأمنية المستقبلية، على غرار ما حدث في اتفاق عام 1994 المعروف بـ”مذكرة بودابست للضمانات الأمنية”.
ففي ذلك الاتفاق، قدمت أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا “ضمانات أمنية” لأوكرانيا في حال تعرضها لغزو، مقابل تخلي كييف عن الأسلحة النووية التي ورثتها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، إلا أن روسيا، بحسب الاتهامات الأوكرانية، انتهكت الاتفاق في عامي 2014 و2022، بينما اتخذ الموقعون إجراءات عسكرية محدودة للدفاع عن أوكرانيا.
وقال مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن الضمانات الأمنية الجديدة ستكون ملزمة قانونياً، وفق الإجراءات المعتمدة في كل دولة. وأضاف مسؤولون أميركيون أن ترمب وافق على إحالة هذه الضمانات إلى مجلس الشيوخ، حيث يتم التصديق عادة على المعاهدات، دون أن يوضحوا ما إذا كانت ستقدم رسمياً على شكل معاهدة.
وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن الوثائق ستُستكمل خلال الأيام المقبلة، وإنه يتوقع أن ينقلها المسؤولون الأميركيون بعد ذلك إلى روسيا، وأن يلتقوا بالمفاوضين الأوكرانيين لاحقاً، ربما خلال عطلة نهاية الأسبوع.
