كتب محمد خواجوئي, الاخبار:
تحذّر طهران من مشروع «ممرّ ترامب» بين باكو ويريفان برعاية أميركية، معتبرةً أنه تهديد لأمنها ونفوذها في القوقاز، فيما تعارضه موسكو وتراه خطراً إستراتيجياً.
في تطوّر لافت في منطقة جنوب القوقاز، يمكن أن يشكّل تحدّياً للدورَين الإيراني والروسي هناك، وقّعت أرمينيا وآذربيجان، الجمعة الماضي، في حفل رعاه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، اتفاق سلام بوساطة الولايات المتحدة، نتج منه خصوصاً إنشاء ممرّ مهمّ للنقل، سيُطلق عليه اسم “TRIPP” (طريق ترامب الدولي للسلام والازدهار). وهذا الطريق البالغ طوله 32 كيلومتراً، والمعروف إلى الآن بـ”ممرّ زينغيزور”، سيربط جمهورية آذربيجان عن طريق أرمينيا، بمنطقة نخجوان ذات الحكم الذاتي، والتي تُعدّ جزءاً من الأراضي الآذربيجانية.
وبالعودة إلى نيسان الماضي، في أعقاب محادثات عُقدت في أبو ظبي، طُرحت فكرة مشاركة الولايات المتحدة كمُطوّر ومدير لطريق “زينغيزور”، حتى إن السلطات الأميركية تحدّثت عن استئجار هذا الطريق لمدة 100 عام. وفي النسخة النهائية لاتفاق البيت الأبيض، تقرّر أن يشتمل الممرّ على طريق وخطّ حديدي وخطوط للنفط والغاز والألياف الضوئية.
ومن شأن هذا المسار الترانزيتي المحاذي للحدود الشمالية الغربية الإيرانية، أن يَستحدث كطريق اتصال مستقلّ يخضع للسيطرة الأميركية على حدود الجمهورية الإسلامية؛ وهو ما تعتبره طهران تهديداً لأمنها القومي كما للاستقرار الإقليمي، ذلك بأنه قد يسهم في تيسير التحرّكات السياسية والعسكرية لواشنطن وحلفائها في المنطقة.
وبغضّ النظر عن الوجود الأميركي، فإن شقّ الممرّ في ذاته، سيعني تقويض النفوذ الإيراني في هذه المنطقة الاستراتيجية، وأيضاً تقليص موقع طهران في مسارات الترانزيت والتعاون الإقليمي، وقطع الطريق على إمكانية تواصلها مع أوروبا، عن طريق أرمينيا، وتالياً خنقها جيوسياسيّاً. مع هذا، رحّبت وزارة الخارجية الإيرانية، باتفاق السلام بين أرمينيا وآذربيجان، لكنها عبّرت عن قلقها من “العواقب السلبية لأيّ تدخل أجنبي، ولا سيما في جوار الحدود المشتركة، كونه يعتبر مخلّاً بالأمن والاستقرار المستدام في المنطقة”.
وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قال إنه “تمّ أخذ مواقفنا في شأن وحدة الأراضي وعدم إغلاق طريقنا نحو أوروبا، في الاعتبار”، فإن مستشاره السياسي، مهدي سنائي، أشار إلى أن إيران تُبدي حساسية تجاه المخطّطات التي تُدخل قوى ومنظّمات من خارج المنطقة، في الآلية الأمنية والجيوسياسية لمنطقة القوقاز التاريخية.
يمكن الممرّ أن يتحدّى السياسات الإستراتيجية لإيران في القوقاز، وأن يقوّض نفوذها في المنطقة
وفي موقف حادّ، أعلن كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، علي أكبر ولايتي، أن الجمهورية الإسلامية لن تسمح بإنشاء “ممرّ زينغيزور” بين آذربيجان وأرمينيا بمشاركة الولايات المتحدة، لأنه يمثّل، وفق ما قال لوكالة “تسنيم”، “مؤامرة سياسية ضدّ إيران وبعض الدول الجارة”. وتابع: “إضافةً إلى تركيا، العضو في الناتو، فإن سائر دول الحلف، تريد أيضاً أن تتواجد في هذه المنطقة، وأن يتحوّل الأطلسي إلى ثعبان يقبع بين إيران وروسيا؛ لكننا لن نسمح بحصول هكذا شيء”.
ووصف ولايتي فكرة “تأجير” هذا المسار لأميركا، بأنها “ساذجة”، قائلاً: “هذا الشيء مستحيل حدوثه ولن يبصر النور”. ولفت أيضاً إلى أن إيران ستمنع، سواء مع روسيا أو من دونها، تدبير هذه “المؤامرة”، مضيفاً، في الوقت ذاته: “نرى بطبيعة الحال أن روسيا تعارض هذا الممرّ من الناحية الإستراتيجية”. وكان المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، عارض، خلال لقاءاته السابقة مع بعض قادة المنطقة بمن فيهم رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مشروع إنشاء “ممرّ زينغيزور”.
على المستوى الإعلامي، اعتبرت وكالة أنباء “فارس” القريبة من “الحرس الثوري”، أن الممرّ “يمكن أن يتحوّل إلى طريق ترانزيتي عسكري بالنسبة إلى أميركا”، محذّرةً من أن الوجود العسكري الأميركي بالقرب من الحدود الإيرانية، “سيثير التوتّرات ويؤدي إلى تدهور أمني في المنطقة”، كونه “يمكن أن يتحدّى السياسات الاستراتيجية لإيران في القوقاز، وأن يقوّض نفوذها في المنطقة”. وقالت وكالة أنباء “مهر” شبه الرسمية، من جهتها، في مقال تحليلي، إن “الاتفاق، هو بمنزلة نصر دبلوماسي لأميركا، وضغط على روسيا وإيران، أكثر من كونه وسيلة لتحقيق السلام الحقيقي في المنطقة”، ورأت أن الوجود الأميركي في هذه المنطقة، من شأنه أن “يربك توازن القوى التقليدي، ويتسبّب في تنافس أكثر حدّة”.
على المقلب الروسي، وبوصف موسكو لاعباً رئيسياً في منطقة القوقاز، فإن إنشاء الممرّ تحت إدارة أميركا وسيطرتها، يمكن أن يعني إضعاف دورها ونفوذها المتآكليْن أصلاً بفعل ميل أرمينيا وآذربيجان إلى الغرب. ولهذا، تشعر روسيا بالقلق إزاء توسّع نطاق النفوذ الأميركي في محيطها، وعلى حدودها (من مثل أوكرانيا والآن القوفاز)، إذ يمكن “ممرّ زينغيزور” أن يتحوّل إلى مسارات لوجستية وعسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، ما يثير تحدّيات بالنسبة إلى الأمن الروسي.
مع ذلك، اتّسم ردّ الفعل الروسي تجاه الاتفاق، بالحذر؛ وفيما كانت موسكو اتّهمت واشنطن، في وقت سابق، بالسعي للاستحواذ على عملية السلام بين أرمينيا وجمهورية آذربيجان، وإقصاء قوى المنطقة منها، فهي أثنت، السبت، على الاتفاق، لكنّها حذّرت من أن التدخّل الأجنبي يمكن أن يزيد من تعقيدات الوضع في جنوب القوقاز. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية: “إن تواجد اللاعبين غير الإقليميين، يجب أن يساعد في تعزيز أجندة السلام، لا أن يوجِد فجوات وثغرات جديدة”. وأعربت عن أملها في تحاشي “التجربة الفاشلة” لتسوية الصراعات حول محور الغرب في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الروسية اعتبرت الاتفاق خطوة إيجابية على طريق خفض التصعيد في القوقاز، لكنها حذّرت من الوجود والنفوذ الأميركيَّيْن الواسعَيْن في المنطقة، مشدّدة على الأهمية البالغة لحفظ موقع روسيا، بوصفها لاعباً رئيسياً في القوقاز. واعتبرت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية، اتفاق السلام بين آذربيجان وأرمينيا، “فرصة لإرساء الاستقرار”، مستدركةً بأن “وجود لاعبين من خارج المنطقة، من دون التنسيق مع روسيا، قد يشعل فتيل أزمات جديدة فيها”، مؤكدةً أن “دور روسيا في حماية أمن المنطقة، يجب أن يتعزّز”.