خفف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، موقفه بشأن إخضاع هيئات مكافحة الفساد في البلاد لسيطرة السلطة التنفيذية، بعدما وافق على مشروع قانون جديد قال إنه سيضمن استقلالية هذه الهيئات، وذلك بعد استشارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حسبما أفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وكان زيلينسكي قد صرح في وقت سابق، بأنه ناقش الخطوة مع رئيس الوزراء البريطاني، الذي “اقترح إشراك خبراء يمكنهم المساهمة في تعاون طويل الأمد في مبادرات مكافحة الفساد”.
وجاء بيان زيلينسكي ومكالمته مع ستارمر، بعد أن أثار سعي الزعيم الأوكراني لإخضاع الوكالات للمدعي العام الذي اختاره بنفسه، أكبر مظاهرات مناهضة للحكومة في أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022.
وأدان الاتحاد الأوروبي وأعضاء مجموعة السبع هذه الخطوة، بينما اتهم المنتقدون زيلينسكي بمحاولة الاستيلاء على السلطة بشكل استبدادي.
وبلغ إحباط الأوكرانيين من الرئيس ذروته وسط أزمة سياسية متفاقمة. وكانت الاحتجاجات ضد القرار من أكبر الاحتجاجات منذ انتفاضة عام 2014 التي وضعت أوكرانيا على مسار غربي، وفق “فاينانشيال تايمز”.
احتجاجات في زمن الحرب
وبحسب الصحيفة، فإنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيساهم مشروع القانون الجديد في استعادة الاستقلال الكامل للمكتب الوطني لمكافحة الفساد “نابو” ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد “سابو”.
وشارك نحو 10 آلاف متظاهر في احتجاجات في العاصمة الأوكرانية كييف، الأربعاء الماضي، أكثر من ثلاثة أضعاف المتظاهرين في اليوم السابق، والذين هتفوا “عار”، وطالبوا زيلينسكي بـ”نقض” القانون. وتظاهر آلاف آخرون في مدن أخرى، منها خاركيف ولفيف وأوديسا.
وصرح زيلينسكي في خطابه مساء الأربعاء، ساعياً إلى تهدئة مخاوف الرأي العام: “لقد سمع الجميع ما يقوله الناس”.
وقال ياروسلاف جيليزنياك، النائب المعارض الذي كان من بين المصوتين ضد القانون، الخميس، إنه قدم مع 47 نائباً آخر مشروع قانون لإلغاء التعديلات المضمنة في القانون السابق والتي حدّت من صلاحيات جهازي الاستخبارات والأمن الوطني “نابو” و”سابو”.
وأكد الرئيس أن مساعيه لتعيين المدعي العام، الذي عيّنه بنفسه، مسؤولاً عن جهازي الاستخبارات والأمن الوطني “نابو” و”سابو” تهدف إلى اجتثاث الجواسيس الروس.
وقال جنود، إن القادة العسكريين أمروهم بتجنب المشاركة في الاحتجاجات والامتناع عن نشر انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الكثيرين خرجوا بزيهم العسكري للاحتجاج في كييف. وحمل أحد المحاربين القدامى، وهو مبتور القدمين، لافتةً كُتب عليها: “نقاتل من أجل أوكرانيا، وليس من أجل إفلاتكم من العقاب”.
“قوانين ديكتاتورية”
ومنذ الغزو الروسي في عام 2022، امتنع العديد من الأوكرانيين إلى حد كبير عن المعارضة العلنية لإعطاء الأولوية للوحدة الوطنية، لكن هذا الإجماع يُظهر الآن علامات توتر.
وقال معارضون، إن القانون الأصلي، الذي عُرض على البرلمان بسرعة وسرية غير عاديتين، يُشبه “قوانين الديكتاتورية” سيئة السمعة من عام 2014 التي منحت الزعيم الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، سلطات استثنائية.
ورحبت وكالة الاستخبارات والأمن الأوكرانية “نابو”، وجهاز الاستخبارات والأمن الأوكراني “سابو” بالنسخة المُعدّلة التي اقترحها زيلينسكي من مشروع القانون، وقالتا إنها أعادت “جميع الصلاحيات الإجرائية وضمانات استقلال نابو وسابو”.
وقالوا في بيان: “شارك نابو وسابو في إعداد النص، ويحثّان البرلمان الأوكراني على اعتماد مبادرة الرئيس كأساس في أسرع وقت ممكن. وهذا من شأنه أن يُسهم في منع التهديدات للإجراءات الجنائية التي يُحقق فيها نابو وسابو”.
وفي واشنطن، وقبل تنازلات زيلينسكي الأخيرة، نشرت السيناتور الديمقراطية، جين شاهين، والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، بياناً، الأربعاء، أشادا فيه بـ”التقدم الهائل” الذي أحرزته أوكرانيا في مكافحة الفساد منذ عام 2014 رغم العدوان الروسي.
لكنهما أضافا: “نخشى أن يُقوّض القانون الجديد الكثير من هذا التقدم”.