قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الثلاثاء، إن بلاده تلقت في الأيام الأخيرة رسائل تفيد بأن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً في الوقت نفسه، على أن طهران “لا تزال مهتمة بالدبلوماسية” لكن لديها “مبررات قوية للشك في أي حوار مقبل”.
وقال عراقجي في مقال على صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إنه حقق مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف خلال 5 جولات استمرت 9 أسابيع “أكثر مما تم تحقيقه خلال 4 سنوات من المفاوضات مع إدارة (الرئيس السابق) جو بايدن”، والتي وصفها بـ”الإدارة الفاشلة”، مضيفاً: “كنا على مشارف اختراق تاريخي”.
وذكر أنه “للتعامل مع مخاوف الولايات المتحدة من احتمال انحراف البرنامج النووي الإيراني السلمي في المستقبل، أجرينا مناقشات صريحة ومفصلة، بما في ذلك مستقبل تخصيب اليورانيوم في البلاد”.
“فرصة تريليونية”
ولفت عراقجي، إلى “طرح عدة أفكار بهدف إيجاد حل يحقق الفائدة للطرفين، من قبل الجانبين، وسلطنة عُمان” التي لعبت دور الوسيط في المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران.
وأشار إلى أن المفاوضات ركزت أيضاً على “إنهاء العقوبات”، و”مشاركة الولايات المتحدة في تعاون اقتصادي أوسع”، معتبراً أن هذا التعاون “كان من شأنه أن يشكل فرصة تريليونية”.
كما ذكر أن “إيران كانت منفتحة على تعاون متبادل المنفعة، من شأنه أن يُحدث نقلة كبيرة في الاقتصاد الإيراني، ويعالج أولوية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإحياء الصناعات الأميركية المتدهورة، مثل قطاع الطاقة النووية”.
ويرى الوزير الإيراني، أن “الأمور كانت تسير في اتجاه إيجابي”، وتابع: “تبادلنا رسائل مكثفة، لكن قبل الجولة السادسة الحاسمة بـ48 ساعة فقط، شنت إسرائيل (في 13 يونيو الماضي) هجوماً غير مبرر على بلادي، استهدف القصف منشآت نووية خاضعة للرقابة، ومنازل، ومستشفيات، وبنيتنا التحتية الحيوية للطاقة، وحتى السجون، كما اغتالت العلماء وعائلاتهم، لقد كان ذلك خيانة كبيرة للدبلوماسية”.
واعتبر عراقجي، أن “القصف المتهور وجه رسالة لا لبس فيها، وهي أن إسرائيل تفضل الصراع على الحل”، وذلك رغم أن “المحادثات بين إيران والولايات المتحدة كانت تشهد زخماً حقيقياً”.
ورفض عراقجي مزاعم إسرائيل بأن ضرباتها تهدف إلى منع إيران من تطوير أسلحة نووية، مشدداً على أن “الحقيقة أن إيران، باعتبارها دولة موقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي، كانت دوماً ملتزمة ببرنامج نووي سلمي يخضع لرقابة الأمم المتحدة”.
وأضاف: “دافعت إيران بشراسة عن نفسها ضد العدوان، إلى أن اضطرت إسرائيل إلى الاعتماد على الرئيس ترمب لإنهاء الحرب التي بدأتها. وبعد أن تعرضنا للغدر مرة، فإننا الآن نتحلى بمزيد من الحذر”.
وأشار عراقجي، إلى أن التزام إيران بـ”التصرف بمسؤولية لتجنب حرب إقليمية شاملة يجب ألا يفسر على أنه ضعف. وسنُفشل أي هجوم مستقبلي على شعبنا. وإذا ما جاء ذلك اليوم، فسنكشف عن قدراتنا الحقيقية لنُبدد أي أوهام بشأن قوة إيران”.
وشدد على أن “التقدم الذي أُحرز في المحادثات بين إيران والولايات المتحدة قد تم تقويضه، ليس من قبل إيران، بل من قبل حليف مزعوم للولايات المتحدة”، وأردف: “ناهيك عن القرار المصيري الذي اتخذته واشنطن بالسماح لنفسها بأن تُستدرج إلى تقويض القانون الدولي ومعاهدة عدم الانتشار من خلال شن ضرباتها الخاصة”.
رسائل أميركية
وذكر الوزير، أن “إيران تلقت في الأيام الأخيرة رسائل تفيد بأن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات”.
لكنه أضاف: “كيف لنا أن نثق في جولة أخرى من الحوار؟ لقد وقعت إيران اتفاقاً نووياً شاملاً مع 6 دول في عام 2015، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تخلت عنه بشكل أحادي بعد 3 سنوات. وبعد أن وافقنا على مفاوضات جديدة بنية صادقة، تم الرد على حُسن نوايانا بهجوم من جانب جيشين مسلحين نووياً”.
وأكد أن طهران “لا تزال مهتمة بالدبلوماسية”، لكن لديها “مبررات قوية للشك في أي حوار مقبل”، وتابع: “إذا كانت هناك رغبة حقيقية في حل سلمي، فعلى الولايات المتحدة أن تُظهر استعداداً حقيقياً للتوصل إلى اتفاق منصف”.
وشدد على ضرورة أن “تُدرك واشنطن أن أفعالها في الأسابيع الأخيرة قد غيّرت المعادلة. فالإيرانيون لن يقبلوا أبداً بالاستسلام”.
وأردف: “المفاوضات التي تُجرى في ظل أجواء الحرب تكون بطبيعتها غير مستقرة، والحوار في ظل التهديدات لا يكون حقيقياً. ولكي تنجح الدبلوماسية، لا بد أن تُبنى على الاحترام المتبادل. ولا يمكن لها أن تصمد في وجه التخريب المستمر من قبل أطراف ثالثة تخشى التوصل إلى حل”.
واعتبر وزير الخارجية الإيراني أن “من حق الشعب الأميركي أن يعرف أن بلاده تُدفع نحو حرب يمكن تفاديها بالكامل ولا مبرر لها، وذلك من قبل نظام أجنبي لا يشاركهم مصالحهم”.
ودعا عراقجي واشنطن إلى أن “تُدرك أن العدوان جعل علمائنا وإنجازاتهم أعز علينا من أي وقت مضى. إن وعد ترمب بأميركا أولاً يجري، في الواقع، تحريفه ليصبح إسرائيل أولاً”.
وأكد على أن “الطريق نحو السلام يتطلب من الولايات المتحدة أن تعترف بأن الحوار القائم على الاحترام، وليس الإكراه المتهور، هو السبيل الوحيد القابل للاستمرار”.
وطرح الوزير الإيراني تساؤلاً في نهاية المقالة قائلاً: “الخيار بيد أميركا: هل ستختار أخيراً الدبلوماسية؟ أم ستبقى عالقة في حرب لا علاقة لها بها؟”.
