شهد قطاع الاتصالات المدرج في السوق المالية السعودية (تداول) أداءً مالياً قوياً وملحوظاً خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2025، مدفوعاً بمسيرة التحول الرقمي والتوسع في خدمات البنية التحتية والتقنيات الحديثة. وقد أكدت النتائج المالية مدى مرونة وقدرة شركات القطاع على تحقيق النمو المستدام، حيث ارتفعت الأرباح الإجمالية للقطاع وانعكس ذلك إيجاباً على مجمل الأداء.
فقد سجلت الأرباح الإجمالية لشركات الاتصالات السعودية المدرجة نمواً بنسبة 5.72 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، لتصل إلى 14.46 مليار ريال (3.86 مليار دولار)، مقارنة بـ13.68 مليار ريال (3.65 مليار دولار) في الفترة المماثلة من العام السابق.
وبلغت إيرادات القطاع نحو 80.46 مليار ريال (21.45 مليار دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025.
يُعزى هذا الأداء الإيجابي إلى مزيج من العوامل، أبرزها ارتفاع الإيرادات، وانخفاض المصروفات التشغيلية، والتوسع المستمر في خدمات البيانات والخدمات الرقمية، والطلب المتزايد على خدمات الجيل الخامس وزيادة الاستثمار في التقنيات السحابية وإنترنت الأشياء.
وتأتي هذه النتائج الإيجابية في وقت تشهد سوق الاتصالات المتنقلة في المملكة نمواً هائلاً على المدى المتوسط، حيث تقدر حجم السوق بنحو 26.97 مليار دولار (نحو 101.14 مليار ريال) في عام 2025. ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 37.19 مليار دولار (نحو 139.46 مليار ريال) بحلول عام 2030، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب قدره 6.64 في المائة خلال الفترة المتوقعة (2025-2030)ـ وفق بيانات شركة الأبحاث «موردور إنتليجنس».
أداء الشركات وتوزيع الأرباح
يضم القطاع 4 شركات مدرجة، ثلاثٌ منها ينتهي عامها المالي في ديسمبر (كانون الأول)، وهي: «الاتصالات السعودية» (إس تي سي)، و«اتحاد اتصالات» (موبايلي)، و«الاتصالات المتنقلة» (زين السعودية)، في حين ينتهي العام المالي لشركة «اتحاد عذيب للاتصالات» (جو)، في نهاية مارس (آذار) من كل عام.
وقد هيمنت شركة الاتصالات السعودية (إس تي سي) على أداء القطاع، مساهِمةً بنحو 80 في المائة من إجمالي الأرباح، ومحقِقةً أعلى صافي أرباح بقيمة 11.58 مليار ريال في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، بنمو 3.08 في المائة عن العام السابق.
كما حققت شركة اتحاد اتصالات «موبايلي» أعلى نسبة نمو في الأرباح على مستوى القطاع بلغت 18.15 في المائة، لترتفع أرباحها إلى 2.51 مليار ريال، مقابل أرباح 2.12 مليار ريال، في الفترة المماثلة من العام الماضي، مدفوعة بارتفاع الإيرادات وتحسين كفاءة التكلفة.

أما شركة الاتصالات المتنقلة السعودية (زين السعودية)، فجاءت في المرتبة الثانية من حيث نسبة النمو، مسجلة 15.84 في المائة لتصل إلى 373 مليون ريال، مقابل تحقيقها لأرباح بقيمة 322 مليون ريال، بدعم من تحسن إدارة المخصصات الائتمانية وانخفاض المصروفات التشغيلية.
تباين في الأداء ربعياً
وفي تعليق على النتائج الربعية، قال الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد»، محمد حمدي عمر، في تصريح له لـ«الشرق الأوسط»، إن أداء شركات قطاع الاتصالات خلال الربع الثالث، شهد أداءً متبايناً، بالرغم من تسجيل الشركات الثلاث أرباحاً بقيمة 5.17 مليار ريال، غير أنها سجلت تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالربع الثالث من العام السابق. وأرجع عمر هذا التباين إلى التراجع الملحوظ في نتائج الربع مقارنة بالعام السابق، خاصةً تراجع أرباح شركة الاتصالات السعودية بنحو 11.54 في المائة خلال الربع الثالث – رغم تسجيلها لنمو فعلي بنحو 19.2 في المائة، وهو ما أثر بشكل واضح على أداء القطاع ككل نظراً لاستحواذها على ما يزيد عن 80 في المائة من الأرباح.
وأضاف عمر أن شركة «موبايلي» حققت نمواً قوياً في أرباح الربع الثالث بنسبة 10.5 في المائة، مدفوعاً بارتفاع الإيرادات وتحسين كفاءة التكلفة وتعظيم الهوامش والذي ساعدها في تخفيف أثر التراجع لدى الشركات الأخرى.
بينما سجلت «زين» نمواً طفيفاً بنسبة 2 في المائة بدعم من انخفاض المصروفات التشغيلية وتحسن إدارة المخصصات الائتمانية.

وتزامن ذلك مع استمرار نمو الإيرادات لشركات القطاع، وارتفاعها إلى 26.86 مليار ريال بنمو سنوي 4.6 في المائة، مما يعكس توسعاً مستمراً في استهلاك الخدمات الرقمية، والبيانات، وخدمات البنية التحتية، رغم التراجع الطفيف ربعياً.
مستقبل واعد
وتوقع استمرار القطاع في تسجيل نمو إيجابي، مدفوعاً بارتفاع الطلب على البيانات وخدمات الجيل الخامس، بالإضافة إلى التركيز على خدمات الحوسبة السحابية ومراكز البيانات والتحول الرقمي وزيادة الاستثمار في التقنيات السحابية وإنترنت الأشياء، رغم ارتفاع التكاليف الاستثمارية على بعض الشركات. كما توقع تحسن هوامش الربح بالنسبة إلى شركة الاتصالات السعودية مع تراجع البنود غير المتكررة وارتفاع الإيرادات التشغيلية، وكذلك «موبايلي» مع استمرارها في سياسة تحسين الكفاءة، ومع استمرار سيطرة شركة «زين» على المصروفات التشغيلية.
أضاف أن القطاع مقبل على مزيد من الاندماج بين خدمات الاتصالات والقطاع التقني، حيث التركيز على الخدمات الرقمية بدل الاعتماد فقط على الخدمات التقليدية، وتعزيز الشراكات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والخدمات السحابية، بالإضافة لاستفادة القطاع من برامج التوسع الحكومية المنبثقة من رؤية المملكة 2030 والتحول الرقمي الحكومي، مما سيرفع الطلب الحكومي على خدمات البنية التحتية الرقمية، وشبكات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، الأمر الذي يشكل فرصة للنمو المستدام لشركات القطاع.
تنويع المحافظ الاستثمارية
ولفت عمر إلى أهمية تنويع الشركات لمحافظها الاستثمارية والدخول في قطاعات جديدة مثل القطاع المالي والقطاع الترفيهي، من أجل تعزيز متانة مراكزها المالية وترسيخ قدراتها التنافسية، مما يدعم قوة وضعها في المرحلة المقبلة بشكل أكبر.
من جهته، قال المحلل المالي ناصر الرشيد خلال تصريح له لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو أرباح وإيرادات شركات القطاع يعود إلى التوجه الكبير نحو التحول الرقمي وخدمات الجيل الخامس والتطور التقني والتكنولوجي، وكذلك الاستثمارات الحديثة والجديدة الداعمة للابتكار، بالإضافة إلى تنوع المحفظة الاستثمارية لشركات القطاع التي تشمل العديد من الاستثمارات النوعية في الخدمات المالية والترفيهية والتقنية، وترافق ذلك مع زيادة الطلب في السنوات الأخيرة على البيانات والخدمات الرقمية ونمو قطاع الأعمال.
وأشار إلى أن شركات الاتصالات السعودية قدمت خلال الأرباع الأخيرة أداءً مالياً قوياً، وما زالت تواصل رحلتها في النمو الإيجابي، مع حرصها واهتمامها الكبير بضبط التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية وخفض تكلفة التمويل، متوقعاً أن تستمر شركات القطاع في تسجيل الأرباح خلال الأرباع القادمة، خصوصاً مع استثمارها في تعزيز جودة الشبكة وتقديم حزم خدمات مبتكرة، وتركيزها على نمو قطاع البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، مما سيسهم في استمرار وتيرة النمو في ارتفاع الإيرادات وتحقيق الأرباح.

