تحل اليوم، 11 آب/أغسطس 2025، الذكرى العاشرة لرحيل الفنان الكبير نور الشريف، أحد أعمدة الفن العربي وصاحب المسيرة الاستثنائية التي امتدت لنحو نصف قرن. لم يكن الشريف مجرد ممثل موهوب، بل كان مثقفاً موسوعياً جمع بين الموهبة الفطرية والتقنية الأكاديمية، واستطاع أن يوازن بينهما ليخلق مدرسة خاصة في الأداء.
من “كومبارس صامت” إلى نجم أول
وُلد محمد جابر محمد عبد الله، الشهير بنور الشريف، في 28 نيسان/أبريل 1946 بحي السيدة زينب في القاهرة. بعد وفاة والده وهو في عامه الأول، عاش مع عمّه. حلم بدايةً بأن يكون لاعب كرة قدم محترفاً، ولعب في ناشئي الزمالك، لكن إصابةً أنهت مسيرته الرياضية، فاختار دراسة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية حيث تخرج بتفوق.
بدأ رحلته الفنية كـ”كومبارس صامت”، قبل أن يلفت الأنظار في مسرحية “الشوارع الخلفية”، ثم في مسلسل “القاهرة والناس”، لينطلق سريعاً إلى الصفوف الأولى.
نور الشريف في شبابه
مرحلة الضياع والتجاوز
رغم النجاح المبكر، واجه نور الشريف فترة عصيبة في السبعينيات كادت أن تطيح بمستقبله الفني. انبهر بالأضواء والعلاقات الاجتماعية الصاخبة، وأحاط به أصدقاء السوء الذين زيّنوا له الأخطاء على أنها سلوك طبيعي لفنان السينما. دفعه ذلك إلى قبول أفلام متواضعة المستوى لمجرد الحاجة إلى المال، وإهمال مواعيد العمل، وهو ما أثر في سمعته.
عندما توقفت صناعة السينما في مصر، سافر إلى لبنان وسوريا، لكنه كثيراً ما كان يترك تصوير الأفلام بعد أيام قليلة لعدم اقتناعه بالعمل، وهو ما زاد من أزماته، وألقى بظلاله على علاقته بالفنانة بوسي.
أدرك نور الشريف لاحقاً خطورة المسار الذي اتخذه، فجلس مع نفسه وقرر أن يبدأ من جديد، ليعود أقوى ويستعيد مكانته بين كبار النجوم، خاصة أنه كان يتعاطى المخدرات في تلك الفترة أيضاً، والتي وصفها بجرس الإنذار الذي أدرك خطورته وأعاده إلى مساره الصحيح.
مثقف قبل أن يكون ممثلاً
عُرف نور الشريف بثقافته الواسعة وقراءاته في الأدب والتاريخ والفلسفة، وهو ما انعكس على اختياراته الفنية. كان حريصاً على دراسة الشخصية قبل تجسيدها، ومزج بين إحساس الممثل ووعي الباحث، ما منحه قدرة نادرة على تجسيد شخصيات مركبة.
زفاف نور الشريف وبوسي
بصمات لا تُنسى في السينما
قدّم نور الشريف أكثر من 150 فيلماً، تنوعت بين الاجتماعي والسياسي والكوميدي، منها:
سواق الأتوبيس (1982) الذي اعتُبر إحدى أيقونات الواقعية الجديدة ونال عنه جائزة أحسن ممثل.العار (1982)ليلة ساخنةزمن حاتم زهراندم الغزالناجي العليالمصير
كان من أوائل الممثلين الذين دعموا سينما المؤلف في مصر، وشارك مع مخرجين كبار مثل عاطف الطيب، داوود عبد السيد، وشريف عرفة. وأثار فيلم “ناجي العلي” (1992) جدلاً واسعاً وهجوماً إعلامياً عليه بسبب تناوله قضايا سياسية وانتقاده لأنظمة عربية.
مشهد من مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”
أيقونة الدراما العربية
في التلفزيون، ارتبط اسم نور الشريف بأعمال صارت جزءاً من ذاكرة المشاهد العربي: “لن أعيش في جلباب أبي” (1996) بدور “عبد الغفور البرعي”، الذي تحول إلى أيقونة درامية، و “عائلة الحاج متولي” (2001) الذي أثار جدلاً واسعاً حول تعدّد الزوجات، و”الرجل الآخر” و”العطار والسبع بنات” و “حضرة المتهم أبي”.
كما خاض تجارب إنتاجية جريئة، وقدّم مسلسلات تاريخية ودينية مثل “عمر بن عبد العزيز” و”عمر بن الخطاب” (في دور الراوي).
أول سيارة وقصة حب
في بداياته، اشترى نور الشريف أول سيارة له بدافع طريف، إذ شاهد الممثلة ماجدة الخطيب تمتلك سيارة من طراز مميز “جاغوار” فأُعجب بها، وقرر شراء السيارة نفسها .
وحينها كان يعمل معها كومبارس في مسرحية، وبالفعل حقق حلمه واشترى السيارة، وكانت نذير شؤم عليه وفق ما أعلن في لقاءات صحافية.
أما حياته العاطفية فارتبطت بالفنانة بوسي في قصة حب شهيرة، واجهت معارضة شديدة من عائلتها، لكنهما تزوجا عام 1972 وأنجبا مي وسارة. بعد طلاقهما عام 2006، ارتبطا مجدداً في أيامه الأخيرة، حيث وقفت بوسي إلى جانبه خلال مرضه حتى وفاته.
تكريم النجم الراحل نور الشريف
المواقف السياسية
عُرف نور الشريف بمواقفه الوطنية؛ فقد أعلن تأييده لثورة 25 يناير 2011، ورفضه لمعاهدة “كامب ديفيد” التي وقّعها الرئيس أنور السادات مع إسرائيل.
الجوائز والتكريمات
حصد الشريف عشرات الجوائز من مهرجانات عربية ودولية، منها جائزة أفضل ممثل في “مهرجان القاهرة السينمائي”، وجائزة “مهرجان دمشق السينمائي”، بالإضافة إلى تكريمات عن مجمل أعماله في مصر والوطن العربي.
الوداع
رحل نور الشريف في 11 آب/أغسطس 2015 بعد صراع مع المرض، تاركاً إرثاً فنياً وثقافياً ضخماً، وأعمالاً خالدة لا تزال تُعرض وتحقق نجاحاً بعد رحيله. كان حتى أيامه الأخيرة يحلم بتقديم شخصيات جديدة، مؤكداً أن الفن بالنسبة إليه لم يكن مهنة بل حياة كاملة.
شارك