حسين زلغوط, خاص – “رأي سياسي”:

من الواضح أن خطة حصرية السلاح، كما تُطرح اليوم، تتجاوز الأمن إلى السياسة، وتتطلب توافقًا شبه مستحيل في بلد قائم على التوازنات الطائفية والتحالفات الإقليمية. ومع اقتراب موعد أيلول، تبدو البلاد مقبلة على اختبار حقيقي لمدى قدرتها على تجاوز الانقسام، وتحقيق ما هو أقرب إلى الحلم: دولة واحدة، بقرار واحد، وسلاح واحد.
لكن حتى اللحظة، لا يبدو أن الأطراف المعنية مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة، وبالتالي، فإن أيلول قد لا يكون موعدًا للحسم، بل بداية كباش طويل، تتداخل فيه الحسابات الداخلية بالمصالح الدولية.
ما من شكٍّ أن القرار الحكومي بهذا الشأن جاء بعد ضغوط داخلية وخارجية متزايدة للمضي في تنفيذ خارطة طريق تُنهي تعدد الجهات المسلحة، وتعيد الاعتبار لمفهوم الدولة القادرة. وهذه الخطة التي يعمل عليها الجيش تتضمن مراحل متدرّجة، تبدأ من معالجة السلاح غير الشرعي المنتشر في المناطق، وتصل لاحقًا إلى مناقشة السلاح الثقيل والأنفاق والمواقع العسكرية الخارجة عن سلطة الدولة.
وعلى الرغم من الطابع الأمني للخطة، فإن مضمونها لا يمكن فصله عن الواقع السياسي المعقّد، إذ إن أول ما يخطر في الأذهان عند الحديث عن “حصرية السلاح” هو سلاح حزب الله، الذي يرفض حتى الساعة الدخول في أي مفاوضات بشأن جدول زمني لنزع سلاحه، معتبرًا أن الأولوية تبقى لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، وليس لإرضاء شروط خارجية.
في المقابل، يلتزم الجيش اللبناني الصمت الرسمي حيال تفاصيل الخطة التي يعمل عليها. غير أن مصادر مطّلعة أكدت أن الجيش لن يدخل في مواجهة مع أي مكوّن لبناني، وأن الخطة الجاري إعدادها تبدأ من معالجة السلاح العشوائي والمتفلّت، قبل الانتقال إلى معالجة الأطر الأكبر، مشيرةً إلى أن أي تنفيذ فعلي سيحتاج إلى قرار سياسي جامع، وضمانات داخلية وخارجية لعدم انزلاق البلاد نحو الفوضى.
وتؤكد المصادر أن الخطة تعتمد مراحل زمنية مرنة، تبدأ من المناطق التي لا تُشكّل حساسية سياسية أو أمنية، وتُبنى على أساس التفاهم لا الصدام. لكن في الكواليس، هناك إدراك واضح لصعوبة الإجماع الوطني على سلاح حزب الله، ما يجعل الخطة أقرب إلى اختبار توازن دقيق منها إلى حسم شامل.
في الساحة الحكومية، بدأ الانقسام يتضح أكثر. فبينما يدفع رئيس الحكومة نواف سلام نحو إعطاء الجيش صلاحية كاملة لإعداد خطة ميدانية واضحة، تُبدي أطراف سياسية أخرى تحفظها، لا سيما ممثلي “الثنائي الشيعي”، الذي يعتبر أن أي محاولة لإقصاء المقاومة من المعادلة تعني نسف الاستقرار القائم.
من نافل القول إن القرار بتكليف الجيش إعداد الخطة لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة ضغط أميركي – فرنسي مشترك، في إطار “الورقة الأميركية” الشاملة لإنهاء النزاع على الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل. وتعتبر باريس وواشنطن أن حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية شرط أساسي لأي استثمار دولي في إعادة الإعمار، خصوصًا في الجنوب بعد العدوان الإسرائيلي الأخير.
لكن هذه الضغوط، وإن كانت تحمل طابعًا دوليًا حاسمًا، تصطدم بتعقيدات داخلية لبنانية، أبرزها وجود جمهور لبناني واسع لا يزال يرى في حزب الله قوة ردع لا غنى عنها.