في السنوات الأخيرة، أخذت ظاهرة جديدة بالانتشار في سوق العقارات الأميركية، إذ بات من المألوف أن تُعرض المنازل والشقق على مواقع الإنترنت بصور تبدو مثالية إلى حدّ الخداع، بعدما أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي تُستخدم على نطاق واسع لتجميل العقارات المتداعية وجعْلها تبدو كأنها بحالة أفضل بكثير مما هي عليه في الواقع.
وامتلأت مواقع عقارات مثل Zillow وRealtor.com بصور معدّلة رقمياً تُظهر المنازل في حالة مغايرة تماماً للواقع، إذ تُضاف جدران جديدة، وتُلمّع الأرضيات، وتُزرع الأشجار في الساحات، بل وتُدخل قطع أثاث غير موجودة أصلاً إلى الصور لجعل العقارات أكثر جذباً للمشترين والمستأجرين، بحسب موقع Futurism.
واقع مزيف
وقالت الرسامة الأميركية ديان وايلي، المتخصصة في كتب الأطفال، إنها لاحظت إعلاناً لعقار في مدينة ديترويت بدا في الصور وكأنه خضع لتجديد شامل، بينما كان في الحقيقة منزلاً قديماً ومتهالكاً.
وأوضحت في حديث لمجلة Slate أن الصور المعروضة كانت نتيجة استخدام أداة ذكاء اصطناعي قامت بإعادة طلاء الجدران رقمياً وإزالة آثار الغبار والأوساخ المتراكمة.
وأضافت أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في قدرة الملاك على التلاعب بالمظهر، بل في المنصات العقارية التي تسمح بنشر مثل هذه الصور دون رقابة واضحة أو ضوابط تحد من الخداع البصري.
وفي الوقت الذي يزداد فيه الاعتماد على هذه التقنيات، تسجّل شركات ناشئة خطوات أبعد في استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض تسويقية.
من جانبها، ذكرت مجلة Wired أن شركة تُدعى AutoReel، أسسها المدير السابق في شركة “ميتا” آلوك جوبتا، طورت نظاماً يحوّل الصور الثابتة للعقارات إلى مقاطع فيديو قصيرة تبدو وكأنها جولات حقيقية داخل المنازل.
وتُستخدم هذه المقاطع الآن للترويج للعقارات على الإنترنت، ما يجعل من الصعب على المشاهدين التمييز بين الواقع والمحاكاة الرقمية.
وأشار جوبتا إلى أن الاهتمام بهذه التقنية ازداد سريعاً خلال العامين الماضيين، موضحاً أنه عندما أطلق شركته قبل عامين لم يُبدِ العملاء اهتماماً كبيراً، أما في عام 2024 فقد بدأوا يسألون عن تفاصيل الخدمة، واليوم بات السؤال الأكثر شيوعاً هو “كيف نبدأ؟”.
بدوره، أكد مدير الابتكار في الرابطة الوطنية للوكلاء العقاريين في الولايات المتحدة دان وايزمان، أن السوق تشهد “قفزة هائلة” في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وقال وايزمان إنه خلال المؤتمرات التي شارك فيها مؤخراً، وعند سؤال الحضور من العاملين في المجال عن استخدامهم للذكاء الاصطناعي، رفع نحو 90% من المشاركين أيديهم تأكيداً لذلك.
ورأى وايزمان أن السبب الرئيسي وراء هذا الإقبال يعود إلى رغبة الملّاك في تقليل التكاليف، إذ تتيح هذه الأدوات توفير ما بين 500 وألف دولار في كل مشروع، من خلال الاستغناء عن خدمات المصورين المحترفين أو مصممي الفيديوهات العقارية.
نزاعات قانونية محتملة
على جانب آخر، حذَّر قانونيون من أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى نزاعات قضائية، خصوصاً في حال شراء عقار دون معاينته على أرض الواقع.
وقال ديريك ليبن، الأستاذ المساعد في جامعة كارنيجي ميلون، إن العقود التي تُبرم بناءً على صور مزيفة يمكن اعتبارها غير ملزمة قانونياً إذا ثبت أن المشتري وقّعها بناءً على بيانات مضللة.
وأضاف ليبن أن بعض الحالات قد تؤدي إلى إبطال العقد بالكامل إذا تمكن الطرف المتضرر من إثبات أن عملية الشراء تمت بناءً على معلومات مغلوطة مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي.
بينما قالت الرسامة ديان وايلي إن المسؤولية لا يجب أن تقع على عاتق المستهلكين وحدهم، بل على المنصات العقارية التي تتيح نشر هذه الصور.
وأضافت أن المستأجرين والمشترين لا يمكن أن يُطلب منهم التحقق من كل إعلان أو تمييز الصورة الحقيقية من المزيفة، وأن الواجب الأخلاقي والقانوني يجب أن يكون على الشركات المالكة للمنصات لتنظيم محتواها ومنع انتشار الإعلانات المضللة.

									 
					