أجرى مسؤولو دفاع من الولايات المتحدة وتايوان محادثات سرية في ولاية ألاسكا، الأسبوع الماضي، قبل أيام فقط من استعراض الرئيس الصيني شي جين بينج القوة العسكرية لبلاده في عرض ضخم حضره عدد من القادة، في الذكرى الـ 80 لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية.
ونقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية عن مصادر لم تكشف عن هويتها، قولها إن جيد رويال، وهو أكبر مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) لشؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ التقى هسو سزو-تشيين، الذي كان آنذاك نائب مستشار الأمن القومي في تايوان قبل ترقيته، في مدينة أنكوراج.
جاءت هذه المحادثات بعد أشهر من إلغاء اجتماع كان مقرراً في واشنطن بين مسؤولين أميركيين وتايوانيين على مستوى أعلى، وهو ما يعزى جزئياً إلى مخاوف من أن يعرقل الاجتماع قمة محتملة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج.
تأتي الأنباء عن اجتماع ألاسكا وسط تساؤلات متزايدة بشأن مدى استعداد ترمب لدعم تايوان في وقت يسعى فيه لعقد قمة مع شي، بينما تجري الولايات المتحدة والصين محادثات لإنهاء الحرب التجارية بينهما.
وقالت مديرة شؤون الصين في “مجموعة أوراسيا” للاستشارات ومقرها نيويورك، أماندا شياو، إن إدارة ترمب ربما تحاول “إيجاد توازن بين طمأنة تايوان والحفاظ على إمكانية التوصل إلى صفقة تجارية وقمة مع الصين”، مشيرة إلى أن الصين كانت ستحتج بشكل أقوى لو أن الاجتماع عُقد على مستوى وزاري في واشنطن.
ويشغل رويال منصبه حالياً بصفة مؤقتة، بينما تنتظر إدارة ترمب تصديق مجلس الشيوخ على مرشحها جون نوه، أما هسو، فقد رُقّي الأسبوع الماضي إلى منصب أعلى، إذ أصبح مستشاراً لجوزيف وو، مستشار الأمن القومي لتايوان، ويُنظر إليه على أنه أبرز المرشحين ليكون سفير تايوان الجديد في واشنطن.
مخاوف بشأن قمة ترمب وشي
كان من المقرر أن يقود إلبرج كولبي، وهو أرفع مسؤولي “البنتاجون” لشؤون السياسات الدفاعية، الوفد الأميركي في الاجتماع المؤجل في يونيو، بينما كان من المنتظر أن يقود وزير الدفاع التايواني ويلينجتون كو الوفد التايواني.
غير أن إدارة ترمب ألغت الاجتماع في اللحظة الأخيرة، وأبلغت تايبيه بأن الإلغاء بسبب الضربات العسكرية الأميركية على إيران، لكن بعض المسؤولين الأميركيين حذروا من أن السماح لوزير دفاع تايواني بزيارة واشنطن للمرة الأولى من شأنه أن يضر قمة ترمب-شي المحتملة.
وقالت بوني جلاسر، خبيرة شؤون تايوان في “صندوق مارشال الألماني” (GFM)، وهي مؤسسة أبحاث غير حزبية أميركية مقرها واشنطن، إن خفض مستوى محادثات الدفاع الأميركية-التايوانية دليل إضافي على أن ترمب ربما أصدر تعليمات لمسؤولي حكومته بعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها تقويض المفاوضات مع الصين، التي تهدف إلى التوصل إلى صفقة تجارية وقمة مع شي جين بينج.
ويجري مسؤولون أميركيون وصينيون حالياً مفاوضات تجارية يقول الطرفان إنها قد تفتح الطريق أمام عقد قمة في بكين، ربما في أكتوبر.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن مسؤولين أميركيين تلقوا تعليمات بتجميد الإجراءات المناهضة للصين، مثل ضوابط التصدير، لتجنب عرقلة المحادثات.
وأوضح أحد المسؤولين الأميركيين أن اختيار ألاسكا لعقد الاجتماع كان محاولة متعمدة لتقليل بروز اللقاء إعلامياً، مشيراً إلى أن تركيبة الفريق الأميركي ارتبطت أيضاً بقيود على جداول أعماله.
وأثارت سياسة ترمب، المعروفة بتقلباتها وبتفضيله عقد صفقات مع قادة سلطويين، قلق تايبيه، خاصة مع ما يعتبره البعض “تجاهلاً شخصياً” من جانبه لقضية تايوان، إضافة إلى تأثير قاعدة مؤيديه من أنصار حركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” (MAGA) الانعزالية.
وقال هاينو كلينك، الخبير في شؤون الأمن الآسيوي الذي شغل سابقاً منصب أكبر مسؤول دفاعي لشؤون تايوان في إدارة ترمب الأولى، إن الاجتماعات المتكررة رفيعة المستوى مع تايوان “ضرورية للمصالح القومية الأميركية”.
وأضاف: “عندما نقارن ذلك بمشهد قادة الدول الثلاثة (الصين وروسيا وكوريا الشمالية) وهم يحضرون عرضاً عسكرياً في ساحة تيانانمن، يتضح مبرر مثل هذه اللقاءات الأميركية-التايوانية”.
تحديات أمام تايبيه
ويواجه الرئيس التايواني لاي تشينج تي وضعاً أكثر صعوبة مقارنة بالرئيسة السابقة تساي إنج-ون، التي شهدت علاقات أكثر تقارباً وثقة مع كل من إدارة ترمب الأولى وإدارة بايدن.
ويحاول لاي التعامل مع هذه التحديات، فيما سعى نائبه بيكيم شياو، والسفير التايواني لدى واشنطن ألكسندر يوي، إلى الرد على الشكوك بشأن الدعم الأميركي من خلال مقابلات مع وسائل إعلام مقربة من حركة “MAGA”.
وكانت الحكومة التايوانية اقترحت الشهر الماضي، زيادة قياسية بنسبة 23% في الإنفاق الدفاعي، ليتجاوز 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، العام المقبل، في محاولة لإقناع الولايات المتحدة بجدية التزامها بتحمل تكاليف الدفاع؛ لكن مسؤولين تايوانيين أعربوا عن قلقهم إزاء احتمال استغلال المعارضة أغلبيتها البرلمانية لتقليص بعض بنود التمويل المقترحة.
وعزا بعض المسؤولين والمحللين التايوانيين، عقد الاجتماع بمستوى أدنى في ألاسكا إلى رغبة تايبيه في إتمام اللقاء في وقت مناسب لتقديم ميزانية خاصة بمشتريات الأسلحة إلى البرلمان، بالتزامن مع انشغال إلبرج كولبي بوضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية.
مع ذلك، لفت مراقبون إلى أن الاجتماع يعكس استمرار المخاوف بشأن مستقبل العلاقات.
وفي هذا الإطار، قال يانج كوانج-شون، الشريك المؤسس لمنظمة “يو إس تايوان ووتش”، إن هناك نقاشاً في أوساط السياسة الأميركية بشأن إمكانية سعي ترمب إلى إبرام “صفقة كبرى” مع الصين.
وأضاف أن تأجيل ترمب سابقاً توقيع صفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 إلى تايوان في عام 2019 إلى ما بعد المحادثات التجارية مع الصين، أظهر أنه ربما يفضل إعطاء الأولوية للتفاوض مع بكين.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الدفاع الأميركية، والسلطات في تايوان رفضت التعليق على اجتماع ألاسكا.