
حسين زلغوط
خاص – موقع “رأي سياسي”:

في خضم الأزمات المتراكمة التي تتكاثر في لبنان كالفطر السام، يبدو المشهد العام أشبه بـ”سلة سلاطعين”، على حد ما كان وصفه الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران خلال فترة توليه سدة الرئاسة، حيث تتصارع الكائنات داخل الوعاء الضيق، في محاولة يائسة للصعود، بينما لا أحد ينجو لأن الجميع يجرّ الآخر إلى الأسفل.
هكذا يمكن توصيف الحالة اللبنانية الراهنة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ضمن استعارة مؤلمة تعكس واقعاً مأزوماً يتجدد كل يوم.
فالكلّ يتحدث عن “المصلحة الوطنية”، لكن الواقع يُظهر عكس ذلك تماماً. فكل فريق سياسي يسعى لضمان مكاسبه الخاصة، ولو على حساب الكيان والدولة. والأدهى أن كل طرف يتهم الآخر بأنه سبب الانهيار، دون أن يعترف أحد بدوره في المأساة، تماماً كما في “سلة السلاطعين”، فإن أي محاولة للنجاة الفردية تُقابل بجذب عنيف إلى القاع. لا أحد يسمح للآخر بالخروج من الأزمة، لا عن قناعة، بل بدافع الحسد، أو حتى الانتقام.
علينا الاعتراف ان ما يعانيه لبنان اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل أزمة نظام بأكمله، نظام طائفي مريض، يتغذى على الزبائنية والمحاصصة، ويمنع نشوء دولة حديثة وعادلة، وكلما طُرحت فكرة الإصلاح، تحوّلت إلى مادة سجال وانقسام، لأن الخروج من مستنقع الطائفية يهدد مصالح الكثيرين.
والسؤال االكبير الذي يطرح نفسه اليوم: هل من مخرج من هذا المشهد العبثي؟ في سلة السلاطعين الحقيقية، لا يخرج أحد إلا إذا أخرجته يد خارجية، وفي الحالة اللبنانية، قد تكون التسوية الخارجية أحد المسارات المحتملة، لكن التجربة أثبتت أن أي تسوية لا ترتكز إلى إرادة داخلية حقيقية، سرعان ما تنهار.
ان تشبيه لبنان بـ”سلة السلاطعين” لا يهدف فقط إلى تصوير الصراع، بل يعكس الفشل الذاتي المستمر. كل طرف سياسي يسعى للبقاء في اللعبة عبر إضعاف خصمه، حتى لو كان الثمن هو انهيار الدولة، فلا أحد يجرؤ على التنازل أو التراجع، لأن التنازل في منطق القوى اللبنانية يُعدّ هزيمة. وهكذا، يغدو الجميع منهكين، متشبثين بالحبال المهترئة، ولا أحد يخرج سالماً.
وسط هذا الظلام، يبقى السؤال: هل يمكن كسر “سلة السلاطعين”؟ هل من إمكانية لقفزة خارج هذا القاع الجماعي؟
الجواب ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى معجزة سياسية واجتماعية، تبدأ أولاً بإعادة تعريف معنى “الوطنية” في لبنان، وتفكيك النظام الطائفي الذي يحكم اللبنانيين بعصا الخوف والتبعية.
فالرهان يجب أن يكون على وعي مجتمع، لا يسير خلف الزعيم، بل خلف بلده، وخلف نخب سياسية واقتصادية واجتماعية شابة، تنبذ المحاصصة، وتؤمن بأن الدولة لا تُبنى بالتوازنات، بل بالعدالة.
نختم لنقول: ان لبنان ليس دولة فاشلة فحسب، بل ساحة لصراعٍ عبثي بين أطراف عاجزة عن إنقاذ نفسها، فكيف تنقذ وطناً؟ ففي سلة السلاطعين، لا نجاة فردية ممكنة، بل سقوط جماعي حتمي، ما لم يُكسر القفص، وتُكسر معه عقلية “أنا أو لا أحد”. وحدها تلك اللحظة ستكون بداية الخروج من القاع، ومن وهم التنافس العقيم، نحو مشروع وطني جامع، يعيد للبنان بريقه وكرامته.