اتَّسم رجالات الملك عبدالعزيز الذين رافقوه خلال السنوات الأولى لتوحيد المملكة بالإخلاص والوفاء له، ووضعهم المصلحة العليا للدولة فوق كل اعتبار فضلاً عن الشرف والكفاءة والنزاهة، ومن أبرز هؤلاء الرجال فوزان السابق الدبلوماسي الماهر وأول سفير سعودي في الخارج عندما اختاره الملك مفوَّضاً للمملكة لدى مصر.
شارك معه في معركة جراب عام 1915 ومواقع أخرى لاحقة
مولده ونشأته
وُلد فوزان السابق بن فوزان بن عثمان السابق عام 1859م في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، وتلقى تعليمه الأول في الكتاتيب، وحفظ القرآن وتعلّم القراءة والكتابة في سن صغيرة، درس على يد مشايخ بلدته من أمثال ناصر بن سليمان السيف وسليمان بن مقبلر وغيرهم، نشأ في بيت عُرف بالتدين والكرم، وبدأ عليه الميل منذ الصغر للسفر وطلب العلم والمعرفة.
استكمل طلب العلم في الرياض، ثم انتقل إلى الزبير والكويت، ومنها إلى الهند حيث درس علوم الحديث والتفسير على يد نذير حسين وسلامة الله الهندي، بعد عودته إلى بريدة اشتغل في تجارة الإبل والخيول، وبرز بين تجار “العقيلات”، حيث جاب بلاد الشام والعراق ومصر وتعلّم عادات الشعوب وأنماط معيشتهم مما وسّع مداركه.
دوره في توحيد المملكة
التقى فوزان السابق بالملك عبدالعزيز عقب دخوله الرياض سنة 1902م، وكسب ثقته ليصبح من رجالاته، وشارك معه في معركة جراب عام 1915 ومواقع أخرى لاحقة، وفي ظل اهتمام المؤسس ببناء علاقات دبلوماسية راسخة لمملكة ناشئة، برز فوزان كشخصية ذكية وواسعة الأفق تصلح لتكون حلقة الوصل الدبلوماسية مع العالم الخارجي.
أوفده الملك عبدالعزيز أول الأمر وكيلاً له في الشام حيث كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي، فأدى مهماته هناك بنجاح، ثم أعلن المؤسس توحيد المملكة سنة 1932، وتحولت الوكالة إلى مفوضية بعد إبرام معاهدة الصداقة بين السعودية ومصر عام 1926، فعُيّن فوزان وزيراً مفوضاً للمملكة لدى مصر.
لم تقتصر إسهاماته على العمل الدبلوماسي فحسب، بل شملت أيضًا طباعة وتوزيع عدد من أمهات الكتب والمراجع الإسلامية على نفقة الملك عبدالعزيز، إسهامًا في تعزيز الوعي الديني والثقافي داخل الجامعات والمكتبات الإسلامية، كما كان يُعد من أبرز ملاك الخيل العربية الأصيلة في مصر، وامتلك الحصان الشهير “المهلهل” الذي لمع اسمه في سباقات الخيل بأمريكا، وقد أهدى “المهلهل” إلى الدبلوماسي الأمريكي تشارلز كرين، وكانت تلك الهدية بداية تعاون مميّز بين المملكة وكرين.
حَظِيَ فوزان بثقة الملك عبدالعزيز لأمانته ونزاهته وذكائه
علاقته بالملك عبدالعزيز
حَظِيَ فوزان بثقة الملك عبدالعزيز لأمانته ونزاهته وذكائه، فكلّفه بأولى المهام الدبلوماسية الكبرى في تاريخ الدولة الجديدة مفوضاً لدى مصر، كان فوزان دبلوماسياً مُعتزًا بهُوِيَّته، فلاقى احترام النخب السياسية والعلمية في مصر، ومثّل صورة نموذجية لوجه السعودية الحضاري في المؤتمرات والمحافل الدولية، وكان موفد الملك لحضور البروتوكول الأول لتأسيس جامعة الدول العربية.
الوفاة
تُوفي فوزان السابق في القاهرة يوم 9 يناير 1954 عن عمر يناهز 95 عامًا بعد نحو شهرين من وفاة الملك عبدالعزيز، ودُفن هناك وخرجت له جنازة تليق بـ”عميد الدبلوماسية”، ليُوارى رجل من رجال المؤسِّس البارزين الذين ساهموا في إرساء العلاقات السعودية بمحيطها العربي والدولي.