نجح فريق علماء في فك الشفرة الجينية لفراشة نادرة تعرف باسم فراشة الأطلس الزرقاء إذ تبين أنها تحمل رقماً قياسياً بين جميع الكائنات متعددة الخلايا في العالم من حيث عدد الكروموسومات.
وتمتلك هذه الحشرة الصغيرة، التي تعيش في جبال المغرب وشمال شرق الجزائر، 229 زوجاً من الكروموسومات، مقارنة بأقاربها التي لا يتجاوز عدد كروموسوماتها 23 أو 24 زوجاً فقط.
ويعنى فك الشفرة الجينية قراءة التعليمات المكتوبة داخل الحمض النووي وتحويلها إلى منتجات تعمل داخل الخلية، وهي غالبا بروتينات.
وتبدأ العملية بنسخ الجين من الحمض النووي إلى جزيء وسيط يسمى الحمض النووي الريبي الرسول، ثم يترجم هذا الجزيء داخل مصانع الخلية المسماة الريبوسومات إلى سلسلة من الأحماض الأمينية تبنى منها البروتينات.
فراشة الأطلس الزرقاء
التصنيف العلمي: تنتمي إلى فصيلة الليكانيد (المعروفة باسم الفراشات الزرقاء)، ووُصفت لأول مرة سنة 1905.
الموطن: تعيش في المناطق الجبلية الجافة والمزهرة على ارتفاعات عالية في شمال إفريقيا، خاصة في جبال المغرب وشمال شرق الجزائر.
الغذاء: يقتصر غذاء اليرقات على نبات الفيجن الكلوي .(Anthyllis vulneraria)
التكاثر: فراشة “ثنائية الأجيال”، تظهر في موسمين للطيران، الأول بين يونيو ويوليو، والثاني بين أغسطس وسبتمبر.
وتحدد البروتينات وظائف الخلية وصفاتها، بدءاً من لون العينين وشكل الشعر وحتى العمليات الحيوية المعقدة.
أعد الدراسة التي نشرتها دورية “Current Biology”، باحثون من معهد سانجر البريطاني ومعهد علم الأحياء التطوري في إسبانيا، وتعد أول خريطة جينية كاملة لهذه الفراشة النادرة.
وكان الاعتقاد السائد في علم الأحياء التطوري أن الكائنات التي تمتلك أعدادًا ضخمة من الكروموسومات وصلت إلى هذه الحالة عبر مضاعفة مجموعتها الكاملة من الكروموسومات أكثر من مرة، أي عبر نسخ متتالية للمادة الوراثية، لكن الدراسة أظهرت أن الحقيقة مختلفة تماماً.
مواقع الانقسام
وتبين أن هذا العدد الهائل من الكروموسومات لم ينشأ نتيجة التضاعف، بل عبر عملية تجزئة تدريجية؛ إذ انقسمت الكروموسومات الكبيرة إلى وحدات أصغر على مدى نحو 3 ملايين عام سنة، وهي فترة قصيرة نسبياً في مقاييس التطور.
وفسر العلماء ذلك بأن مواقع الانقسام حدثت عند مناطق أقل إحكاماً في الحمض النووي، ما سمح بتفتت المادة الوراثية دون فقدان يُذكر في المعلومات الجينية.
وبهذا استطاعت الفراشة أن تضاعف عدد كروموسوماتها إلى مستوى غير مسبوق، مع الحفاظ في الوقت نفسه على سلامة شفرتها الوراثية.
يمتلك الإنسان 46 كروموسوماً مرتبة في 23 زوجاً، نصفها من الأب ونصفها من الأم، وهو العدد الذي يحافظ على استقرار الصفات الوراثية عبر الأجيال، لكن الأعداد تختلف بشدة بين الكائنات الأخرى؛ فالكلب مثلاً لديه 78 كروموسوماً، بينما القط يملك 38 فقط، والحصان 64، والدجاج 78، أما الضفدع الإفريقي المخطّط فيحمل 72 كروموسوماً نتيجة تضاعف جينومه في الماضي.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، روجر فيلا، الباحث في معهد علم الأحياء التطوري: “رأينا انقسام الكروموسومات في أنواع أخرى من الفراشات، لكن ليس بهذا المستوى مطلقًا، هذا يشير إلى وجود أسباب بيولوجية مهمة تدفع هذا النوع لاتباع هذا النمط”.
ورغم أن مثل هذا التغيير الجذري في الكروموسومات يفترض عادة أنه ضار، إلا أن فراشة الأطلس الزرقاء نجحت في البقاء لملايين السنين، لكن الآن أصبحت مهددة بسبب تغير المناخ وتدمير بيئتها الطبيعية، بما في ذلك غابات الأرز والرعي الجائر.
وأشار الباحثون إلى أن زيادة عدد الكروموسومات ليست مجرد ترف وراثي، بل ربما تحمل فوائد تطورية مهمة، فالكائن الذي يمتلك عدداً أكبر من الكروموسومات تكون مادته الوراثية مقسّمة إلى وحدات أصغر وأكثر استقلالية، وهذا يمنحه مرونة أكبر في إعادة ترتيب الجينات عبر الانقسامات أو عبر الطفرات الطبيعية، ما يفتح المجال لظهور صفات جديدة تساعده على التكيف.
خطورة التجزئة
وتقلل تجزئة الحمض النووي إلى كروموسومات كثيرة من خطر فقدان كميات كبيرة من المعلومات عند حدوث تلف في جزء منها، لأن الضرر يظل محصوراً في وحدة صغيرة بدلاً من أن يصيب كروموسوماً ضخماً.
لكن هذه الزيادة ليست دوماً ميزة مطلقة؛ فهي قد تفرض تحديات على الخلية أثناء الانقسام، إذ يجب تنظيم ونقل مئات الكروموسومات بدقة، وهو ما قد يرفع احتمالات الأخطاء. أي أن الفائدة الحقيقية تكمن في التوازن بين التنوع الجيني والقدرة على إدارة هذا التعقيد.
وأوضح الباحثون أن العدد الكبير من الكروموسومات قد يمنح هذه الفراشة قدرة أكبر على التنوع الجيني والتكيف السريع، لكنه قد يجعلها أيضاً أكثر عرضة للأخطار بسبب التعقيد الزائد.
ومن المعروف أن التغيرات في أعداد وترتيبات الكروموسومات ليست محصورة في الفراشات، بل ترى أيضاً في الخلايا السرطانية عند البشر، ولذلك ربما يساعد فهم هذه الظاهرة عند فراشة الأطلس، في تقديم رؤى جديدة بشأن كيفية الحد من هذه الاضطرابات في الخلايا البشرية، وربما تطوير طرق جديدة لمكافحة السرطان.