وأضافت الصحيفة العبرية أن وزارة المالية الإسرائيلية تخطط لفرض سيطرة واسعة على سياسة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر وغيرها، عبر تعديلات جوهرية في “قانون الميزانيات”، في محاولة لضمان منافسة حقيقية بين شركات الغاز داخل السوق المحلية — لكن هذه الخطوة أثارت موجة انتقادات حادة من وزارة الطاقة وشركات القطاع، التي وصفتها بأنها تهدد بطرد المستثمرين وشل الإنتاج.
وأضافت الصحيفة أن الخلفية الاقتصادية لهذا الجدل ترتكز على أربع حقائق جوهرية يعرفها حتى غير المتخصصين:
أولًا:
بفضل اكتشافات الغاز (مثل “لوويتان” و”تامار”)، حققت إسرائيل استقلالًا في إنتاج الطاقة، إذ يعتمد 70% من إنتاج الكهرباء في البلاد على الغاز الطبيعي — وهو إنجاز استراتيجي هائل.
ثانيًا:
أسعار الطاقة في إسرائيل مستقرة، وأرخص مما كانت عليه قبل الاكتشافات، وأقل بكثير من مستويات أوروبا، رغم أنها أعلى من نظيرتها في الولايات المتحدة.
ثالثًا:
المنافسة بين حقول الغاز (لوويتان، تامار، كاريش) هشّة جدًّا وعرضة للانهيار.
ورابعًا:
، الشركات تفضّل دائمًا تصدير الغاز إلى دول مثل مصر والأردن، لأن سعر البيع هناك أعلى بمرات عديدة من السعر في السوق المحلية.
وأشارت “كالكاليست” إلى أن هذا الواقع يطرح على صانعي السياسة في إسرائيل — بل وعلى كل مواطن — ثلاثة أسئلة محورية:
* كيف نضمن أفضل سعر ممكن للغاز المحلي؟
* كيف نضمن توفّر كمية كافية من الغاز للاحتياجات المحلية؟
* وكيف نحقق ذلك دون المساس بالإنجازات التي تحققت؟
صراع على الرواية.. ومليارات الشواكل في الميزان
وأوضحت الصحيفة أن الصراع بين وزارة الطاقة وشركات الغاز، وبين الوزارات الحكومية ذاتها، لا يدور فقط حول الأرقام، بل حول السرديات والمبادئ. فمثلاً: هل يُضعف التصدير الأمنَ الطاقي عبر تقليل الاحتياطيات؟ أم يعززه عبر تشجيع الاستثمارات لاكتشاف حقول جديدة؟
وأضافت أن هذا النقاش النظري يتحول سريعًا إلى معركة مالية بعشرات المليارات من الشواكل، خاصةً مع اقتراب إقرار إصلاح في “قانون الميزانيات” يهدف إلى إعادة هيكلة سياسة تصدير الغاز، في ظل منح تصريح تصدير ضخم لحقل لوويتان بقيمة 130 مليار متر مكعب (BCM) حتى عام 2040 — أي ما يعادل أكثر من 20% من إجمالي الاحتياطي. وللتوضيح، فإن الاستهلاك السنوي الإسرائيلي من الغاز لا يتجاوز 14 مليار متر مكعب.
ماذا بعد نضوب حقل “كاريش”؟
وأشارت “كالكاليست” إلى أن وزارة المالية تخشى من احتكار السوق بعد نضوب حقل “كاريش” (التابع لشركة “إنيرغيان”)، إذ سيبقى حقلان كبيران فقط: لوويتان وتامار. وعلى الرغم من أن المسافة بينهما تبلغ 85 كيلومترًا، إلا أن الشركة الأمريكية “شيفرون” (Chevron) — التي تملك 39% من لوويتان و25% من تامار وتشغّل الحقلين — تجعلهما قريبين جدًّا من الناحية التشغيلية والمالية، ما يهدد بغياب المنافسة.
وبناءً عليه، تساءلت الصحيفة: “من سيضمن سعرًا عادلًا للغاز المحلي بعد اختفاء كاريش؟”
وأكدت أن الحل البديل — فرض ضوابط سعرية مباشرة — يُعدّ خيارًا محفوفًا بالمخاطر: فهو غير دقيق، ويُثبّط الاستثمار، ويعتبر ممارسة “من الماضي”. لذا، تحاول وزارة المالية الآن إعادة تصميم هيكل السوق لدفع الحقول إلى المنافسة على السوق المحلي، وليس على التصدير فقط.
خطة وزارة المالية: ثلاث ركائز لفرض “منافسة مصطنعة”
ووفق “كالكاليست”، فقد طرحت وزارة المالية ثلاثة إجراءات رئيسية:
* التدخل المباشر في تصاريح التصدير: حيث اقترحت أن يُطلب رأي وزير المالية في كل تصريح تصدير غاز، بحجة أن “الوزير مسؤول عن تقييم تأثير هذه التصاريح على المنافسة”. ورغم معارضة وزارة الطاقة، تتوقع الصحيفة أن يتم التوصل إلى تسوية بين الوزارتين حول هذه النقطة.
* فرض “فائض عرض” محلي إلزامي: حيث سيتم تحديد كمية من الغاز لا يمكن تصديرها مطلقًا، ويجب بيعها داخل إسرائيل فقط. وإذا لم تُبَع، تفقد قيمتها تمامًا. والهدف من ذلك هو دفع الشركات إلى التنافس على السوق المحلي، لأن من لا يبيع محليًّا سيُفوّت جزءًا من أرباحه.
* ربط التصدير بأسعار السوق المحلية: بحيث يُدرج في عقود التصدير شرطًا يُقيّد أو يقلّص حجم التصدير في حال ارتفع سعر الغاز محليًّا. والهدف هنا هو منع الشركات من رفع الأسعار المحلية، لأنها ستخسر فرص التصدير، ما سيدفعها إلى خفض الأسعار لضمان بيع الكميات الزائدة داخليًّا.
ردود الفعل: “الغاز سيبقى في الأرض!”
وذكرت “كالكاليست” أن هذه المقترحات لم تعرض على “لجنة دايان”، التي تعمل حاليًّا على صياغة سياسة وطنية شاملة لتصدير الغاز، مما يثير تساؤلات حول شرعيتها. وأشارت إلى أن وزارة الطاقة ردّت قائلةً: “اقتراح وزارة المالية لم يُناقَش في اللجنة ولم يُعرض على أعضائها”.
ومن جهتها، حذّرت شركات الغاز من أن هذه الإجراءات “ستطرد المستثمرين وستبقي الغاز مدفونًا في باطن الأرض”، لأنها تُضعف العوائد وتزيد المخاطر.
صفقة لوويتان مع مصر: العامل المفجّر
وأكدت الصحيفة العبرية أن صفقة التصدير الضخمة بين لوويتان ومصر تشكّل نقطة التفجير الحقيقية في هذا الجدل. فوزارة المالية تريد ربط الموافقة على الصفقة بشروط قانون الميزانيات، بينما يصرّ شركاء لوويتان على أن هذه الشروط تجعل الصفقة غير مجدية وستؤدي إلى انهيارها. ويرى آخرون أن الصفقة تضعف المنافسة المحلية أصلًا، حتى دون هذه القيود.
وختمت “كالكاليست” بالإشارة إلى أن وزير الطاقة إلي كوهين من المتوقع أن يوقّع على الصفقة خلال الأيام القليلة القادمة — ما سيضع كل هذه التوترات على المحك، ويحدد مستقبل قطاع الغاز الإسرائيلي لعقود قادمة.
المصدر : كالكاليست

