تستعد الولايات المتحدة والصين لأول اختبار حقيقي لاستراتيجيتهما التقنية خلال اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ APEC، الذي يُعقد هذا الأسبوع في كوريا الجنوبية، وذلك في أعقاب إعلان البلدين عن خطط للفوز بسباق الهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي عالمياً.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، السبت، إن الجانبين يسعيان خلال المنتدى إلى استقطاب الدول الآسيوية التي تجد نفسها اليوم مضطرة للاختيار بينهما.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعتزم الترويج لاستراتيجيتها الجديدة بشأن تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي الأميركية، خلال المنتدى الذي تشارك فيه 21 دولة، ويركز هذا العام على التكنولوجيا.
وتهدف الإدارة الأميركية، إلى إبراز الخصائص المتقدمة للرقائق والبرمجيات التي تطورها الشركات الأميركية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات حيوية مثل الرعاية الصحية، وذلك في إطار مساعٍ لإثبات تقدمها على الصين التي تخطو خطوات متسارعة في هذا المجال.
ويشارك مسؤولون صينيون في المنتدى من أجل الترويج لمنتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، مشيرين إلى أنها ستشهد تطوراً كبيراً بفضل الدعم المالي الحكومي الكبير، إلى جانب رؤية بكين لإنشاء مجتمع عالمي يعتمد على نماذج مفتوحة المصدر، أي نماذج ذكاء اصطناعي متاحة مجاناً للمطورين والباحثين حول العالم لاستخدامها وتطويرها.
ونقلت الصحيفة عن مايكل كراتسيوس، رئيس مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، قوله: “رسالتنا بسيطة جداً، وهي أن الذكاء الاصطناعي الأميركي مفتوح للأعمال”.
مخاوف أميركية
وسبق أن تولى كراتسيوس دوراً قيادياً في صياغة استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي تبنتها الإدارة الأميركية، إلى جانب الأوامر التنفيذية التي وقعها ترمب مؤخراً خلال منتدى ضم عدداً من قادة القطاع الصناعي.
وركز أحد هذه الأوامر على تصدير التكنولوجيا الأميركية إلى الخارج، والاستعانة بمؤسسات تمويلية مثل بنك التصدير والاستيراد الأميركي، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، لدعم إتمام صفقات تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وعادةً ما تُستخدم هذه المؤسسات في تمويل شراء سلع مادية مثل الطائرات، الأمر الذي يتطلب إجراء تعديلات على آلية عملها للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، بحسب الصحيفة.
واعتبرت “وول ستريت جورنال”، أن البرنامج الجديد قد يشكل فرصة ثمينة للشركات الأميركية التي سيتم اختيارها لتصدير تقنياتها، ومن بين أبرز المرشحين شركة تصميم الرقائق Nvidia، وشركة OpenAI، المطوِّرة لنموذج ChatGPT.
وتخشى الإدارة الأميركية، من أن تحظى الشركات الصينية مثل هواوي بحصة كبيرة في الأسواق العالمية في حال غياب المنافسة الأميركية، وهو الأمر الذي سبق أن حدث في مجال البنى التحتية للاتصالات في معظم أنحاء العالم خلال العقدين الماضيين.
كما يبرز خطر آخر يتمثل في احتمال وصول الرقائق والبرمجيات الأميركية إلى دول قد تنتهي بها إلى أيدي خصوم واشنطن.
وكان ترمب ألغى في وقت سابق من العام الجاري، قراراً يعود لعهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان يقيد عدد الرقائق التي يمكن تصديرها لمعظم دول العالم.
وفي خطوة مفاجئة، أعلنت إدارة ترمب مؤخراً، أنها ستسمح للصين بالحصول على شريحة ذكاء اصطناعي من إنتاج Nvidia، كانت مبيعاتها مقيدة سابقاً، ما مثّل تحولاً في الموقف، وأثار انتقادات من صقور الأمن القومي الأميركي.
وسيرافق كراتسيوس في زيارته إلى كوريا الجنوبية جيفري كيسلر، رئيس مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة الأميركية، والمسؤول عن ضوابط التصدير.
ووفقاً لكراتسيوس، فإن الهدف من المشاركة هو إظهار رغبة الولايات المتحدة في تسهيل إبرام صفقات الذكاء الاصطناعي مع الدول الأخرى.
تخفيف القيود
وخففت الولايات المتحدة والصين، القيود المفروضة على الصادرات، في وقتٍ تسعى فيه الدولتان إلى التوصل إلى اتفاق تجاري.
وأثارت شركة DeepSeek الصينية الناشئة، قلق العديد من المشرعين الأميركيين في وقت سابق من هذا العام، بعد إطلاقها نموذج ذكاء اصطناعي متطور يعتمد على تحسينات في الكفاءة تقلل من التكاليف.
وتستخدم العديد من الدول حالياً منتجات DeepSeek، ونماذج الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركات صينية أخرى مثل “علي بابا”.
وتعطي الصين أولوية للنماذج مفتوحة المصدر، وهي تلك التي يمكن لبقية دول العالم استخدامها وتطويرها بحرية، ما يشكل استراتيجية قد تُضعف الميزة التنافسية للولايات المتحدة، التي تعتمد أفضل نماذجها على برمجيات مملوكة لشركات خاصة.
ورغم ذلك، أعرب كراتسيوس، عن ثقته بقدرة النماذج الأميركية مفتوحة المصدر، مثل تلك التي تطورها OpenAI، على المنافسة على المستوى العالمي.
ويُذكر أن كراتسيوس قضى جزءاً كبيراً من فترة إدارة ترمب الأولى في جولات خارجية حول العالم محاولاً، دون جدوى، إقناع الدول الأخرى بالتوقف عن استخدام معدات الاتصالات من شركة هواوي، التي كانت قد اكتسبت شعبية واسعة في ذلك الوقت.
وفي هذا السياق، قال كراتسيوس: “كان قرار اختيار البنية التقنية قد اتُخذ بالفعل في السابق.. لكن هذه المرة، لا تزال الساحة مفتوحة أمام الجميع”.
وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أن “خطة العمل” التي أعدتها إدارة ترمب بشأن الذكاء الاصطناعي تهدف لتعزيز بناء مراكز البيانات، وتشجيع تصدير التقنيات الأميركية إلى الخارج.