في فترة الاستراحة التي تتوسط عرض فيلم “روكي الغلابة” بطولة دنيا سمير غانم، خطر ببالي أنه لو حدث وأخطأ أحد المشاهدين وعاد بعد الاستراحة إلى قاعة أخرى، فربما لا يلاحظ أن الفيلم مختلف.
في ثلاثة من الأفلام التي تعرض حالياً في دور العرض المصرية، وهي “أحمد وأحمد” و”الشاطر” و”روكي الغلابة” هناك فقرات معارك ومطاردات متشابهة جداً، خاصة وأن الأفلام الثلاثة تدور حول عصابة تطارد الأبطال لسبب أو لآخر.
في “أحمد وأحمد” تطارد العصابات محتالاً صغيراً قام بخداعهم، وفي “الشاطر” تطارد العصابة البطلين سعياً وراء “فلاشة” Flash Memory تحتوي على معلومات خطيرة عن الجريمة المنظمة العالمية، أما في “روكي الغلابة” فتطارد العصابة البطلين بحثاً عن “هارد ديسك” يحتوي على أبحاث علمية سرية.
الورقة الرابحة
من المفارقات أن أحمد الجندي، مخرج “روكي الغلابة”، هو مخرج “الشاطر” أيضاً، والجندي عرف بأعماله الكوميدية الناجحة في السينما والتليفزيون لأكثر من 15 عاماً، ولكنه في هذين الفيلمين يتجه إلى نوع “الأكشن الكوميدي” الذي أصبح “الورقة الرابحة” في رأي معظم المنتجين اليوم.
لا يختلف بناء ومحتوى “روكي الغلابة” عن معظم أفلام الأكشن المطعم بالكوميديا التي اجتاحت السينما المصرية خلال الأعوام القليلة الماضية، باستثناء أن البطولة هنا لإمرأة، وهو حدث جلل لم يحدث من أيام نجلاء فتحي وسماح أنور، وبعض المحاولات اليائسة لياسمين صبري.
والبطلة هنا هي دنيا سمير غانم التي تلعب دور حارسة شخصية Body Guard اسمها رقية، وينادونها بلقب روكي بفضل مهاراتها القتالية التي تذكر ببروس لي وجاكي شان وسلفستر ستالوني، ويشير عنوان الفيلم غالباً إلى أن رقية هي بمثابة فتوة الناس “الغلابة”، بمعنى أنها تدافع عنهم أو أنها جاءت من وسطهم، والمعنى الثاني أدق، ذلك أنها يتيمة تربت في ملجأ وتبناها أحد مدربي الملاكمة الشعبيين وحولها إلى بطلة.
مفارقة طريفة
تقوم رقية بحراسة الدكتور ثابت (محمد ممدوح) القادم من الخارج لينفذ مشروعه العلمي الخطير في مصر بناءً على طلب من قريبه غريب الأطوار منير (محمد ثروت)، ولكن هناك عصابة يرأسها شخص اسمه “مستر ديفيد” (في إشارة لا تحتاج إلى شرح) تطارد ثابت لاقناعه ببيع اختراعه بملايين الدولارات.
المفارقة الكامنة في كون دنيا، بأنوثتها وحجمها الضئيل، تحمي محمد ممدوح، الضخم، الذي كان ملاكما بالفعل قبل امتهانه التمثيل، والذي يجيد لعب أدوار المقاتل الشرس، كما في فيلم “شقو” مثلاً، هي مفارقة مقصودة وطريفة، وتصب في فكرة تقديم نموذجين غير تقليديين للمرأة والرجل، وهذه الفكرة تعطي للعمل تميزه عن بقية أفلام الأكشن والأكشن الكوميدي السائدة.
تبذل دنيا سمير غانم مجهوداً ملحوظاً لكي تكون مقنعة كفتاة قادرة على هزيمة أعتى الرجال المدججين بالسلاح بيديها العاريتين، لقد فقدت الكثير من وزنها الذي زاد في السنوات السابقة، ومارست الكثير من الرياضة، وأعطاها ذلك مظهرا رشيقا مناسباً بالرغم من أنه أثر على ملامح وجهها الذي فقد بعض نضارته وأضاف إلى عمرها سنوات لم تكن ظاهرة من قبل.
دنيا تخطت سن الأربعين بقليل وبات من الصعب أن تلعب دور فتاة في بداية العشرينيات، وربما كان يمكن حل المشكلة بتوضيح أنها رياضية معتزلة تخطت الثلاثين، ولكن السيناريو لم يهتم بذلك.
أكشن تقليدي
بغض النظر عن هذا فإن الجهد الذي بذلته دنيا يؤتي بثماره في مشاهد الأكشن حيث تقاتل وتعدو وتقفز بمرونة، وكان من الممكن لهذه المشاهد أن تكون أكثر إقناعاً وابهاراً لو أن أحمد الجندي كان أكثر مهارة في تنفيذ مشاهد الأكشن، وهو بالفعل يجيد تنفيذ الأكشن الساخر، كما في أفلامه مع أحمد مكي أو فيلم “الحرب العالمية الثالثة”، ولكن كما يظهر في “الشاطر” و”روكي الغلابة” فإن الأكشن الجاد والمتقن ليس مجاله.
بالطبع يعتمد الفيلم على واحد من فرق الشركات المتخصصة في تنفيذ الأكشن، ولكن هذه الشركات سوف تعطيك تصميمات معارك ومطاردات “تقليدية” و”قياسية” Standard تخلو من الابتكار الدرامي الذي يميز فيلماً عن آخر ومخرج عن آخر.
تحتاج مشاهد الأكشن أيضا إلى “بروفات” كثيرة واختيار دقيق لمواقع الكاميرات وأحجام اللقطات، لكي تعطي الانطباع بالمصداقية والتتابع السليم والايهام بقوة وسرعة الحركة.
يلجأ “روكي الغلابة” إلى بعض الحلول السهلة مثل “تسريع” الحركة واختيار إطارات Frames ضيقة، ولكن التسريع أكثر من اللازم والإطارات وزوايا التصوير ضيقة أكثر مما يجب والمونتاج لا يعطي الاحساس بالتدفق والاستمرارية والطبيعية بالدرجة الكافية، ولذلك تبدو معظم مشاهد الأكشن “كارتونية”، مقارنة بما وصل إليه تنفيذ مشاهد الأكشن في السينما العالمية وحتى المصرية.
صورة تليفزيونية
من الملفت أيضاً “الاستسهال” الذي تنفذ به كثير من مشاهد الفيلم. هناك لقطات بينية Inserts تتكرر لجزء من مبنى الفندق الذي يقيم فيه الأبطال، تذكر بمسلسلات “سيت كوم” التسعينيات أو لقطات بيت العمدة في مسلسل “الكبير”، هذا النوع من اللقطات المكررة ليس مستحباً ولا مناسباً في أفلام الأكشن التي تتسم بالحيوية البصرية، وبشكل عام يسري الإحساس بأننا أمام مسلسل تليفزيوني.
معظم الإطارات مربعة وضيقة ، حتى التي تصور في صحراء وتحتوي على مطاردات طويلة زمنياً وممتدة مكانياً، ليس هناك حركة كاميرا أو زاوية تصوير مميزة إلا فيما ندر.
ومن مظاهر هذا الاستسهال وجود “روبوت” حديدي على هيئة “دبدوب” يتحول إلى مقاتل (يذكر بـ”دباديب” لعبة وفيلم Five Nights at Freddy’s)، لكنه مجرد سترة “دبدوب” يرتديها شخص، بارز التضاريس، لا توحي على الاطلاق بأنه “روبوت”.
المفارقة أن الفيلم يحتوي على بعض “المؤثرات البصرية” وبعض المعارك المميزة في الجزء الأخير منه، مع ظهور شخصية الروبوت البشري التي يؤديها أحمد الفيشاوي، بما يعني أنه كان يمكن بذل مجهود مماثل مع الروبوت “الدبدوب”.
من جانب آخر تظهر لمسات أحمد الجندي اللطيفة في بعض الأفكار الإخراجية الكوميدية، مثل استخدام أغان عاطفية ناعمة على مشاهد الأكشن، المصورة بالحركة البطيئة، أو العالم السوريالي المختبئ تحت الأرض، أو تصوير المجاميع أثناء حفل زفاف منير في القرية.
العودة للأنوثة
كما هو الحال في حبكة الهروب والمطاردات هذه، تنتقل الأحداث من مكان إلى آخر لاستعراض مواقع مختلفة بنوعيات معارك ومطاردات مختلفة، ومع مغادرة البطلين للفندق ينتقل الفيلم إلى أحد المنتجعات الشاطئية، حيث ندخل في خط فرعي تظهر فيه إيمي سمير غانم في دور مشعوذة أو ساحرة عصرية تختبئ تحت الأرض ولديها “هوبيت” من كائنات The Lord of the Rings بعدها ننتقل إلى قرية منير، حيث تتحول رقية/ روكي إلى مغنية وراقصة استعراضية.
ربما يكون “روكي الغلابة” جريئاً في تقديمه لصورة مغايرة للفتاة العربية، ورغم أن ثابت يقع في حب روكي المقاتلة القوية التي تعمل من أجل توفير المال لكي يجري مدربها ومربيها الكابتن منصور (محمد رضوان) عملية جراحية، فإنها، لكي تكون جديرة بحبه، تحتاج إلى أن تكون رقية، الأنثى الجميلة الرقيقة التي تهتم بزينتها وملبسها وتجيد الرقص والغناء لامتاع رجلها!
وهكذا ينتهي الفيلم بنجمة الاستعراض دنيا سمير غانم وقد عادت إلى قواعدها بأغنية ورقصة ختامية مع المغني أحمد سعد.
* ناقد فني