يريد الرئيس ترامب أن يكون قائدًا مُغيّراً، لكنه لن يكون كذلك إذا خاض حربًا مع إيران . جون ألن غاي – ناشيونال إنترست
يعشق القادة المجد العسكري، والآن قد يدفع بعض المؤيدين دونالد ترامب إلى اتخاذ لقب “بيرسيكوس” – المنتصر على الفرس. لكن كيف يمكن لسحق إيران أن يُسهم في تعزيز حظوظ الرئيس السياسية؟ أقل مما يظن المرء؛ فقد تمنح الحرب مع إيران ترامب شعبيةً مؤقتة، وقد تكون أيضًا سببًا لزواله السياسي.
ويكفينا النظر إلى جورج بوش الأب وجورج بوش الابن لنرى أثر الحرب على المصائر السياسية الأمريكية. فالثنائي الرئاسي بوش الأب وبوش الابن، خاضا حربًا مع العراق، ونتذكرهما أساسًا لتلك الصراعات. ومع ذلك، ننسى أن أعمال بوش الابن كفاتح بدت أعظم في يوم من الأيام. حيث غزا العراق، وأسر زعيمه وشنقه، وأرسل حاكمًا له. ورأى 71% من الناخبين أنه كان يُبلي بلاءً حسنًا. وأصبح “دبليو” بوش حاكمًا لبلاد ما بين النهرين.
في الحقيقة تحولت حرب بوش إلى مستنقع؛ إذ انخفضت نسبة تأييد بوش إلى 50% بعد أشهر قليلة من ولايته الثانية. وخسر حزبه مجلسي الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي لعام 2006 التي ركزت على الحرب. ثم خسر الانتخابات الرئاسية التالية. وأذلّ المرشح الجمهوري التالي الذي فاز بالرئاسة شقيق بوش الأصغر، ورفض الكثير مما دعمه حزبه الجمهوري، بما في ذلك غزو العراق الذي أصبح الآن أجوفًا. وإلى جانب الأزمة المالية عام 2008، غيّرت مغامرة بوش الابن في العراق أمتنا، مما جعلها أكثر غضبًا وانقسامًا، وأقل ثقة بالسلطة.
لم تكن مهمة بوش سهلة، فقد واجه موهبة سياسية من جيل بيل كلينتون، وكان الاقتصاد يعاني من ركود. ورغم اعتبار جورج بوش الأب صانع انتصار عسكري ساحق في الخارج، لكن ذلك لم يكن كافيًا لأن أمريكا لا تعيش على أمجاد الحرب.
كل هذا مهمٌّ بينما يُقيّم ترامب خياراته بشأن إيران. ومن الواضح أن الرئيس يريد أن يكون سياسيًا مُغيّرًا. ولكن لا أحد يستطيع أن يدّعي أن الرسوم الجمركية الوقائية قادرة على إعادة إحياء الصناعة الأمريكية في غضون سنوات قليلة. كما أن استعادة حدود أمريكا، وجعل سياسة الهجرة في خدمة المواطن العادي، واستعادة الثقافة من الجهل، هي مشاريع طويلة الأجل أيضًا. والأهم من ذلك أن أياً من هذه المشاريع لن يتحقق إذا خسر الجمهوريون خسارة فادحة في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، ثمّ تخبُّطوا في الرئاسة عام 2028.
إيران: السيناريو المتشائم
لن تُساعد الحرب مع إيران مشروع ترامب، بل قد تُدمره. والسيناريو المتشائم هو أن تُشعل ضربات أمريكية محدودة حربًا شاملة، مع توسيع إيران نطاق الصراع الآن بعد أن واجهت تهديدها الوجودي الخارجي الوحيد. وتقصف إيران قواعد أمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بينما يقصف الطيارون الأمريكيون مزارع الصواريخ الإيرانية ومقراتها، وفي النهاية البنية التحتية. ولا شيء من هذا يُقنع طهران بالتوقف عن إطلاق النار.
ونتيجة لذلك ترتفع أسعار النفط وتُحافظ على ارتفاعها مع احتراق ناقلات النفط في مضيق هرمز. كما تؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى انخفاض الاستهلاك، مما يدفع العالم إلى الركود. ويُهاجم الإرهابيون الأمريكيين واليهود والإسرائيليين حول العالم. وتُغرق الأسلحة الأمريكية الشرق الأوسط بينما تُراقب الصين تايوان. ويخسر ترامب انتخابات عام 2028. ثم يُطلق خليفة ترامب الديمقراطي صواريخ على الملالي لمدة8 سنوات؛ ولا تزال إيران تمتلك القنبلة. ويقدم المحافظون الجدد، وبعضهم عائد من هجرتهم إلى الحزب الديمقراطي في عهد ترامب، على قيادة الجمهوريين للخروج من المأزق.
إيران: السيناريو المتفائل
السيناريو المتفائل هو أن حملة عسكرية محدودة تقضي على آخر ما تبقى من البرنامج النووي الإيراني. وتُقنع التهديدات المتراكمة طهران بأن الرد الكبير لن يُعرّض النظام إلا لخسائر أكبر. والأفضل من ذلك، أن قادة إيران، وهم يقفون فوق أنقاض قاعات تخصيب اليورانيوم، يتخلون عن برنامجهم النووي.
تُلهم الهزيمة العسكرية انقلابًا في القصر واحتجاجات شعبية؛ وتُبرم العناصر الأكثر جشعًا في الحرس الثوري الإسلامي صفقةً هادئة مع المتظاهرين لتخفيف القيود الاجتماعية وفتح الاقتصاد الإيراني أمام الاستثمار الدولي. وتفر شخصيات النظام التي هددت بقتل ترامب إلى روسيا. وتُفتح السفارة الأمريكية مجددًا، وتنتشر شائعات عن محادثات تطبيع مع الإسرائيليين.
ما رأي المواطن الأمريكي العادي؟
إن الأمريكي العادي لا يعيش في الشرق الأوسط، ولم يسبق له أن زاره. وقد يكون قد شعر بالفخر عندما انتصرت أمريكا، لكنه لم يكن شعورًا عميقًا حيث كانت الحملة الجوية قصيرة، وشاهد في الغالب خرائط على شبكة سي إن إن ومقاطع فيديو ضبابية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تكن هناك قوات على الأرض ولم تُهدم أي تماثيل.
وبعد بضعة أشهرقد يحاول هذا الأمريكي العادي إرجاء غسل الأطباق بعد مباراة كرة القدم الأمريكية الأخيرة، لمشاهدة تقرير على برنامج “60 دقيقة” عن الحريات الجديدة في إيران. لكن في صندوق الاقتراع ذلك الخريف، كان يفكر في أمور تؤثر عليه وعلى حياته في هذا البلد سواء كان الاقتصاد أوالضرائب أو الثقافة أو الهجرة، أوالجريمة. والأمريكي لن يصوت على إيران لأن الأمر ببساطة لا يعني له الكثير.
لذا، كان الرئيس ترامب حكيمًا سياسيًا بتجنب الحرب، وعليه الآن استخدام القوات الأمريكية في المنطقة لردع إيران، لا ضربها، والعودة إلى العمل الذي يهمّ الأمريكيين العاديين.
المصدر: ناشيونال إنترست