فوز الديمقراطيين في انتخابات أريزونا يضيّق الفارق في مجلس النواب
جاء فوز الديمقراطية، أديليتا غريجالفا، في الانتخابات الخاصة بولاية أريزونا ليُضيف جولة جديدة من التعقيد إلى المشهد السياسي الأميركي، في وقت يبدو فيه أن كل مقعد بات يُحدّد موازين القوة داخل مجلس النواب.
فبعد أسابيع قليلة من الفوز المفاجئ لجيمس ووكينشو، في انتخابات خاصة بفيرجينيا، يجد الجمهوريون أنفسهم أمام أغلبية أكثر هشاشة، لا تتجاوز بضعة أصوات؛ ما يجعل كل تصويت على الملفات الساخنة، من الموازنة إلى قضية جيفري إبستين، اختباراً مفتوحاً لسلطة رئيس المجلس، مايك جونسون.
أغلبية ضئيلة
غريجالفا، التي خلفت والدها الراحل راؤول غريجالفا في تمثيل الدائرة السابعة لأريزونا، حملت معها إرثاً تقدمياً يُعزز الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي. لكن الأهم أن مقعدها الجديد خفّض الفارق إلى 219 للجمهوريين مقابل 214 للديمقراطيين، وهي معادلة تُبقي على قدرة الجمهوريين في تمرير التشريعات بأغلبية ضئيلة، لكنها تجعل أي انشقاق فردي داخل صفوفهم تهديداً فعلياً لقيادتهم. وقد بدا ذلك واضحاً في الأسابيع الماضية، مع تزايد الانقسامات داخل الحزب الجمهوري بشأن سقف الدين، وأيضاً حول الكيفية التي يجب أن يتعامل بها المجلس مع المطالب المتصاعدة بنشر ملفات إبستين.
الانتخابات الخاصة التي جرت في أريزونا، وتلك التي سبقتها بفيرجينيا، لم تكن مجرد منافسات محلية؛ فقد رأت فيها القيادة الديمقراطية فرصة لترسيخ سردية أن القاعدة الانتخابية لا تزال متماسكة، رغم كل ما يثار حول الرئيس جو بايدن وإرثه ومستقبل الحزب. أما الجمهوريون فتعاملوا معها باعتبارها إنذاراً مبكراً يذكّرهم بصعوبة الحفاظ على أغلبيتهم الضئيلة؛ خصوصاً في ظل رئاسة مجلس هشّة تعتمد على ولاءات متقلّبة وتحالفات مؤقتة.
لكن الملف الأكثر حساسية الذي يُلقي بثقله على الكونغرس اليوم هو قضية إبستين؛ ففي الوقت الذي احتفل فيه الديمقراطيون بتقليص الفارق العددي، كانت الأنظار تتجه إلى عريضة تقدّم بها النائب الجمهوري توماس ماسي والديمقراطي رو خانا، لإجبار المجلس على التصويت بشأن مشروع قانون يُلزم وزارة العدل بالكشف عن كل الملفات غير السرية المرتبطة بالقضية. وقد حققت العريضة زخماً استثنائياً؛ إذ جمعت 216 توقيعاً قبل انتخابات فيرجينيا، ثم أضاف ووكينشو صوته ليصل العدد إلى 217. قبل أن يأتي فوز غريجالفا ليجعل من مقعدها عاملاً مرجحاً في ضمان الحصول على التوقيع الحاسم.
قضية إبستين
هكذا، تحوّلت انتخابات محلّية بدت في ظاهرها تقليدية إلى عنصر ضاغط في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في واشنطن.
فملف إبستين لا يقتصر على حيثيات جنائية تتعلق بشبكة اعتداءات جنسية واتجار بالقاصرات، بل يمتد إلى أسئلة محرجة تطال دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي والإعلامي. ووجود اسم الرئيس دونالد ترمب في قلب النقاش، سواء من خلال تقارير صحافية عن علاقته القديمة بإبستين، أو عبر أعمال فنية ساخرة ظهرت في شوارع العاصمة، جعل الملف مادة سياسية لا يمكن لأي حزب تجاهلها.
البيت الأبيض حاول التقليل من شأن الجدل الدائر حول التمثال البرونزي الذي ظهر في «ناشيونال مول»، في قلب واشنطن، مصوّراً ترمب وإبستين متشابكي الأيدي، عادّاً الأمر مجرد استعراض سياسي من خصوم الرئيس. غير أن انتشار الصور على وسائل التواصل الاجتماعي وإقبال الزوار على التقاطها، أظهر أن رمزية العمل الفني تجاوزت حدود السخرية، لتصبح تعبيراً عن مأزق أميركي أعمق: كيف يمكن لمؤسسات الحكم أن تُظهر الشفافية في قضية تطال أقوى الدوائر السياسية، من دون أن تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الحزبية؟
معادلة دقيقة
يُدرك الديمقراطيون أن تضييق الفارق في مجلس النواب يمنحهم أوراقاً إضافية للضغط، خصوصاً أن ملف إبستين يتقاطع مع شعاراتهم حول الشفافية ومحاسبة النخب. أما الجمهوريون، فبينما يسعون لحماية أغلبيتهم الهشة، يجدون أنفسهم منقسمين بين تيار يريد إغلاق الملف بسرعة وتيار آخر يرى في دعوات الإفصاح فرصة لتقويض خصومهم. وفي الحالتين، تبدو سلطة رئيس المجلس مهددة؛ إذ يكفي انشقاق صوتين جمهوريين فقط لتعطيل أجندته التشريعية.
اللافت أن المزاج الشعبي بدوره أصبح جزءاً من هذه المعادلة. كثير من الناخبين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام أمام التمثال الجديد أكدوا أن ما يعنيهم ليس الخلافات الشكلية، بل حقيقة أن أسماء كبرى في السياسة الأميركية ارتبطت يوماً بشخص مثل إبستين، وأن المؤسسة لم تفعل ما يكفي لطمأنتهم بشأن العدالة والشفافية. هذه المشاعر تلتقي مع ما يراهن عليه الديمقراطيون؛ أن الغضب من التواطؤ المزعوم للنخب قد يُترجم في صناديق الاقتراع لمصلحتهم.
ومع اقتراب انتخابات خاصة جديدة في تكساس وتينيسي قبل نهاية العام، يبقى التوازن داخل مجلس النواب عرضة لمزيد من التغييرات. كل مقعد جديد قد يعني الفرق بين تمرير قانون أو تعطيله، بين فتح الملفات أو طيّها. وفي قلب هذه الحسابات، يقف ملف إبستين بوصفه اختباراً لمدى قدرة النظام السياسي الأميركي على مواجهة ماضيه القريب، من دون أن يغرق في مزيد من الانقسام.
والأمر لم يعد يتعلق بمجرد الفوز بمقعد هنا أو هناك؛ فالانتخابات الخاصة الأخيرة أظهرت أن السياسة الأميركية دخلت مرحلة يصبح فيها لكل ورقة اقتراع أثر يتجاوز حدود الدائرة الانتخابية ليطال البلاد بأسرها. ووسط مشهد يختلط فيه إرث إبستين بحسابات الأغلبية الضئيلة، يبدو أن الطريق نحو الاستحقاقات المقبلة، خصوصاً انتخابات التجديد النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026، لن يكون سوى أكثر وعورة، وأكثر حاجة إلى إجابات لم تقدَّم بعد.