ألمح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى أنه اتخذ قراراً بشأن المسار الذي قد تسلكه الولايات المتحدة في فنزويلا، وذلك بعد سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى تزامنت مع تصاعد ملحوظ في “استعراض القوة” الأميركية بالمنطقة خلال الأيام الماضية، وفق ما أوردت شبكة CNN.
ونقلت CNN عن أربعة مصادر أنه تم إطلاع ترمب هذا الأسبوع على خيارات لعمليات عسكرية داخل فنزويلا، بينما يدرس الرئيس كلفة وفوائد إطلاق حملة موسعة قد تستهدف الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وعندما سُئل ترمب عما إذا كان قد اتخذ قراراً، قال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية: “لقد حسمتُ قراري نوعاً ما.. لا يمكنني أن أخبركم بما سيكون، لكنني تقريباً حسمته”.
وبحسب الشبكة، تأتي تلميحات ترمب في وقت كثّف فيه الجيش الأميركي وجوده البحري والبري حول فنزويلا، ضمن ما وصفته وزارة الحرب الأميركية (البنتاجون) بـ”عملية الرمح الجنوبي”، وسط نقاشات داخل الإدارة حول خيارات عسكرية قد تمتد إلى محاولة الإطاحة بمادورو.
وأوضحت الشبكة أن وزير الحرب الأميركي، بيت هيجسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كاين، قدّما للرئيس إحاطة، الأربعاء، فيما شارك وزير الخارجية، ماركو روبيو، ومسؤولون كبار آخرون في اجتماع أوسع عُقد في “غرفة العمليات” بالبيت الأبيض، الخميس، وفق ما ذكر مسؤول أميركي للشبكة.
وأعلنت القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، في وقت سابق الأحد، أن وزارة الحرب نفذت، السبت، الضربة الحادية والعشرين المعروفة التي استهدفت زورقاً يُشتبه في تورطه بعمليات تهريب المخدرات.
وتعتزم وزارة الخارجية إدراج “كارتيل دي لوس سوليس” على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO)، اعتباراً من 24 نوفمبر 2025.
السيناريوهات المحتملة
وبحسب التقرير، استعرض ترمب وفريقه خلال الاجتماعين خيارات للأهداف المحتملة، وشملت سلسلة واسعة من السيناريوهات، من بينها تنفيذ ضربات جوية على منشآت عسكرية أو حكومية، واستهداف طرق تهريب المخدرات، أو إطلاق عملية مباشرة للإطاحة بمادورو.
وأضافت الشبكة أن الإدارة كانت تدرس أيضاً استهداف منشآت لإنتاج الكوكايين ومسارات تهريب المخدرات داخل الأراضي الفنزويلية.
وأشارت CNN إلى أن ترمب قد يختار الامتناع عن أي تحرك، رغم إعلانه الشهر الماضي أنه أجاز لوكالة الاستخبارات المركزية CIA العمل داخل فنزويلا. إلا أن مسؤولين في الإدارة أبلغوا أعضاء في الكونجرس مؤخراً بأن الولايات المتحدة لا تمتلك أساساً قانونياً يبرر شن ضربات على أهداف برية، وإن كان من الممكن إيجاد مثل هذا الأساس لاحقاً.
وكان ترمب قد صرّح مؤخراً لبرنامج “60 دقيقة” على شبكة CBS بأنه لا يفكر في شن ضربات داخل فنزويلا، رغم أنه بدا منفتحاً على الفكرة سابقاً. وبحسب مصادر مطلعة، بدا الرئيس الأميركي متردداً في الاجتماعات في إصدار أوامر قد تنتهي بالفشل أو تعريض القوات الأميركية للخطر.
ما حجم الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة؟
أوضحت CNN أن الولايات المتحدة عززت وجودها البحري في منطقة الكاريبي خلال الأسابيع الأخيرة، تزامناً مع تنفيذ ما لا يقل عن 20 ضربة استهدفت قوارب يُشتبه في تهريبها المخدرات في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ، في محاولة قالت إنها تهدف إلى عرقلة تدفق المخدرات نحو الأراضي الأميركية.
فيما أوردت وكالة “أسوشيتد برس” أن أكبر حاملة طائرات في العالم، USS Gerald R. Ford، وصلت إلى البحر الكاريبي يوم الأحد، في استعراض للقوة الأميركية.
وقالت الوكالة إن وصول حاملة الطائرات، التي توصف بأنها “أقوى منصة قتالية” في البحرية الأميركية، يمثّل “لحظة مفصلية” فيما تصر إدارة ترمب على أنه حملة لـ”مكافحة المخدرات”، لكنها تُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها “أداة ضغط متصاعدة” على مادورو.
وأشارت الوكالة إلى أن وصول USS Gerald R. Ford يستكمل أكبر حشد للقوة العسكرية الأميركية في المنطقة منذ أجيال.
وأعلنت البحرية الأميركية أن مجموعة القتال التابعة للحاملة، التي تضم مقاتلات ومدمرات موجهة بالصواريخ، عبرت ممر أنيجادا قرب جزر فيرجن البريطانية.
وقال الأدميرال بول لانزيلوتا، قائد مجموعة القتال، إن الانتشار يهدف إلى “تعزيز قوة السفن الحربية الأميركية لحماية أمن وازدهار الولايات المتحدة من التهديدات الناشئة عن الإرهاب المرتبط بالمخدرات في نصف الكرة الغربي”.
غير أن بعض الخبراء يرون أن هذه الحاملة ليست الأنسب لمحاربة الكارتلات، لكنها قد تكون “أداة ترهيب فعّالة” للضغط على مادورو للتنحي.
وحشدت الولايات المتحدة حوالي 15 ألف جندي في المنطقة، إلى جانب أكثر من 12 سفينة حربية تشمل طراداً ومدمرات وسفينة قيادة للدفاع الجوي والصاروخي وسفن إنزال هجومية وغواصة هجومية. كما نشرت 10 مقاتلات F-35 في بورتوريكو التي أصبحت مركزاً عسكرياً للولايات المتحدة ضمن زيادة التركيز على منطقة الكاريبي، بحسب CNN.
ووصف محللون تحدثوا إلى الشبكة هذا الحشد العسكري بأنه “كبير وغير مسبوق”. وقال إريك فارنسوورث من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية: “لقد فوجئت بحجم وسرعة هذا الحشد، أنه أمر غير مسبوق، ويعد الحشد الأكبر في هذا القرن. هذا يشبه غزو الولايات المتحدة لبنما عام 1989”.
في المقابل، أعلنت فنزويلا عن بدء “تعبئة ضخمة” لقواتها ومعداتها استعداداً لأي مواجهة محتملة.
المخاطر والمكاسب المحتملة
ولفتت CNN إلى أن أي محاولة لتغيير النظام في فنزويلا ستتطلب التزاماً كبيراً من الولايات المتحدة، كما أنها قد تحمل مخاطر عالية، لكنها قد تمنح ترمب مكاسب سياسية كبيرة إذا نجح في الإطاحة بمادورو، وهو هدف عجزت عن تحقيقه إدارات أميركية عدة، بما في ذلك إدارته السابقة.
وخلال فترة ولايته الأولى، اعترف ترمب رسمياً بزعيم المعارضة خوان جوايدو باعتباره رئيساً شرعياً لفنزويلا، لكن محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2019 حالت دون تولي جوايدو للسلطة.
ورأت الشبكة أن الإطاحة بمادورو قد تتيح للرئيس الأميركي التخلص من “رجل قوي” وتنصيب زعيم منتخب، وتعزيز التعاون في مكافحة المخدرات والهجرة، بالإضافة إلى إبرام صفقات محتملة تتعلق بالنفط.
لكن الخبراء يحذرون من أن الضربات العسكرية داخل فنزويلا قد تواجه تحديات خطيرة بسبب انقسامات المعارضة واستعداد الجيش لخوض حرب عصابات.
وفي خطاب ألقاه في كاراكاس، حذر مادورو من أن التدخل العسكري الأميركي سيحوّل فنزويلا إلى “غزة أخرى” أو “أفغانستان جديدة” أو “فيتنام جديدة”، موجّهاً رسالة مباشرة إلى واشنطن، قائلاً: “أوقفوا اليد المجنونة التي تأمر بالقصف والقتل وجلب الحرب إلى أميركا الجنوبية والكاريبي. لا للحرب”.
كما أشارت الشبكة إلى أن الانخراط العسكري الأميركي المطول قد يهدد التحالف السياسي الذي أوصل ترمب إلى السلطة على أساس وعوده بتجنب الحروب الخارجية.
وأعرب كل من نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، اللذان شاركا في حرب العراق، عن شكوكهما بشأن تورط الولايات المتحدة في نزاعات خارجية جديدة.
ونقلت CNN عن موظف جمهوري في الكونجرس قوله: “الشعب الأميركي لم يصوّت لترمب كي يجر الولايات المتحدة إلى صراع طويل في أميركا اللاتينية”.
