«قوة الاستقرار» في غزة… خلافات التشكيل والمهام تهدد التفويض الأممي
تتواصل المشاورات بين الوسطاء والضامنين وسط حراك أميركي بمجلس الأمن الدولي، لتمرير مشروع قرار بشأن إنشاء قوة دولية في قطاع غزة لمدة عامين على الأقل، التزاماً ببنود اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من الشهر الماضي بوساطة مصرية قطرية أميركية تركية.
تلك المشاورات التي تحدثت عنها وسائل إعلام أميركية، الثلاثاء، سبق أن كشفها الوسيط بشارة بحبح لـ«الشرق الأوسط»، قبل يومين، لافتاً إلى وجود أربعة خلافات تتعلق بالتشكيل والمهام، وتدفع نحو إمكانية وجود صعوبة بالمجلس، لا سيما بين الدول الخمس الدائمة، بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين، لتأييد مشروع قرار بشأن القوات.
واتفق رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، مع تلك الترجيحات، وأكدتها خبيرة استراتيجية أميركية، في حديثين منفصلين لـ«الشرق الأوسط»؛ متوقّعَين أن تأخذ الأمور بعض الوقت في ضوء العقبات.
فيما رجح مصدر مطلع من دولة وسيطة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إمكانية تشكيل تلك القوات الدولية بقرار من واشنطن دون صدور قرار من مجلس الأمن حال استمرت الخلافات، وهي الصيغة التي تفضلها إسرائيل ولا تلقى قبولاً من دول الوساطة ولا الضامنين.
ولا يزال اتفاق غزة يراوح مكانه في المرحلة الأولى مع تعثر تسليم «حماس» كل جثث الرهائن، ومساعي الوسطاء للذهاب للمرحلة الثانية المتعلقة بترتيبات أمنية منها القوة الدولية وأخرى إدارية معنية باختيار لجنة تنفيذية لإدارة قطاع غزة.
الخلافات الأربعة
نقل موقع «أكسيوس» الإخباري عن مسؤول أميركي، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة أرسلت مشروع قرار إلى عدد من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنشاء قوة دولية في غزة لمدة عامين على الأقل، مع إمكانية التمديد، على أساس المفاوضات التي ستُعقد خلال الأيام المقبلة بين أعضاء مجلس الأمن، بهدف نشر أولى القوات في غزة بحلول يناير (كانون الثاني).

وسبق وكشف بحبح في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، الأحد، عن تفاصيل المشاورات الجارية بين أطراف اتفاق غزة، قائلاً: «الحديث منذ أسبوعين يجري حول إدراج مشروع قرار بشأنها في مجلس الأمن، ويواجه تعقيدات بسبب وجود خلافات»، متوقعاً «طرح مشروع القرار في مجلس الأمن الأسبوع الحالي أو الذي يليه».
وأشار بحبح إلى وجود أربعة خلافات بشأن مشروع القرار، موضحاً أن «الخلاف الأول بشأن دور القوات هو أن إسرائيل لا تحبذ أن تكون هذه القوات أممية لحفظ السلام، ولكن تريدها فقط بموافقة من مجلس الأمن؛ وخلاف ثانٍ بشأن إدراج خطة ترمب للسلام التي قام عليها اتفاق غزة ضمن مشروع القرار، وإسرائيل لا تريد ذلك، ولا تريد منح الخطة صفة أممية؛ بجانب خلاف ثالث بشأن رفض إسرائيل إرسال قوات تركية لغزة. أما الخلاف الرابع فيتعلق برغبة البعض في أن تشمل مهام تلك القوات نزع السلاح من (حماس)، وتضمين هذا في مشروع القرار، وذلك يُقابل برفض من (حماس) وآخرين».
ومشروع القرار الذي نقله موقع «أكسيوس»، الثلاثاء، يبدو أنه تجاوب مع بعض مطالب إسرائيل، إذ يتضمن أن تكون القوة الأمنية الدولية «قوة تنفيذية وليست قوة لحفظ السلام»، وأن تسهم في «استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بالإضافة إلى نزع أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم».
ووفقاً للمشروع، ستُكلَّف القوة الأمنية الدولية بتأمين حدود غزة مع إسرائيل ومصر، وحماية المدنيين والممرات الإنسانية، وتدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة تُشاركها في مهمتها، وتوفير الأمن في غزة خلال فترة انتقالية تنسحب خلالها إسرائيل تدريجياً من أجزاء إضافية من غزة؛ «وعلى السلطة الفلسطينية إجراء إصلاحات تُمكّنها من السيطرة على غزة على المدى الطويل».
وستضم القوة الأمنية قوات من عدة دول مشاركة، وسيجري تشكيلها بالتشاور مع «مجلس السلام» في غزة، الذي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيرأسه.
«النجاح يتطلب تحولاً»
أوضح رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، أن طرح مشروع في مجلس الأمن يستلزم موافقة الدول الخمس دائمة العضوية. وحسب ما سُرب من المشروع فإنه من الصعب أن يحصل على توافق كامل لمجلس الأمن، والأقرب حتى الآن أن يلقى تأييد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
وشدد العرابي على أهمية أن يكون انتشار أي قوة عسكرية ببلد ما مدعوماً بقرار من مجلس الأمن، وأعرب عن خشيته أن تدفع بعض النقاط الخاصة بعمل مثل هذه القوة في قطاع غزة أعضاء دائمين لاستخدام حق النقض (الفيتو)، خصوصاً تلك المتعلقة بتفاصيل الوجود العسكري والتكوين والتفويض، وبقدرتها على الاشتباك أم المراقبة، مما قد يمثل «عقبة في تشكيل القوة».
وتتوقع الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، أيضاً، أن يواجه مشروع قرار واشنطن المقدم إلى مجلس الأمن عراقيل مع احتمال تأييد فرنسا وبريطانيا، ومعارضة روسيا والصين؛ ناهيك عن كون «حماس» عقبة أمام هذا الاختيار باعتبار أنه سيكون بداية لتهمشيها.
وأكدت تسوكرمان أن «النجاح العملي يتطلب تحولاً في المواقف الإقليمية وسلوك (حماس)؛ وهو تحول لا يزال، حتى الآن، بعيداً عن متناول واشنطن».
اجتماع إسطنبول
ووسط أنباء الرفض الإسرائيلي لمشاركة قوات تركية بقوات الاستقرار، أفاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر صحافي عقب اجتماع عدة دول لبحث اتفاق غزة والقوات الدولية، بأن العمل لا يزال جارياً على قرار الأمم المتحدة لإرسال قوة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، مشيراً إلى أن تركيا وعدداً من الدول ستقرر بناءً على مضمون هذا التعريف ما إذا كانت سترسل قوات أو لا، وفق ما ذكرته «رويترز».
وأوضح العرابي أن اجتماع إسطنبول أيضاً كان له موقف رافض لأي وصاية دولية ويتمسك بقوة فلسطينية تكون لها صلاحيات واضحة، وهذا قد يدفع بإحدى الدول الخمس للاعتراض على المشروع من هذا الباب، بخلاف أن إسرائيل ترفض مشاركة تركيا في هذه القوة ولا تريد تلك القوات من الأساس، مما «سيعقّد الأمور».
ويرجح العرابي أن يأخذ ملف القوات الدولية في مجلس الأمن أو بشكل عام وقتاً للوصول لتوافقات بشأنه، لافتاً إلى أن مصر «تفضّل بكل تأكيد» أن تصدر تلك القرارات بقرار أممي.
وحسب تسوكرمان، فإنه في ظل اعتراضات إسرائيل وتخوفات «حماس» سيحاول الوسطاء، ومنهم مصر وقطر وتركيا، سد هذا الخلل من خلال اقتراح نماذج مُختلطة، لكن كل اقتراح يُقابل بالريبة من جانب أو آخر، وهذا ما سيطيل أمد التوافق بعض الوقت.
وخلُصت إلى أنه إذا تمّ نشر القوة الدولية بنجاح في غزة، فسيكون ذلك بمثابة بداية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، شريطة تفويض القوة وقبول الجهات الفاعلة المحلية.

