فيما كان الإعلام السوري الرسمي ينشر للمرة الأولى خبر عقد وزير الخارجية، أسعد الشيباني، اجتماعاً مع وفد إسرائيلي في العاصمة الفرنسية، مساء الثلاثاء، حيث شدّد على وحدة سوريا ورفض مشاريع التقسيم وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء بجنوب سوريا، وإعادة تفعيل اتفاق 1974، كان الإعلام الإسرائيلي قد سبقه بالكشف عن وجود زعيم الطائفة الدرزية في فلسطين، الشيخ موفق طريف، في باريس، ليبحث مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، السفير توم براك، إمكانية إنشاء ممر إنساني يربط بلدة حضر بريف القنيطرة، بمحافظة السويداء، في خطوة لبناء الثقة مع السلطات السورية.
صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، قالت إن المطلب عرضه الشيخ طريف بوصفه خطوة لبناء الثقة مع السلطات السورية تحت رعاية أميركية.
Today I had a warm and informative meeting with Israeli Druze spiritual leader Sheikh Muwaffaq Tarif and his team. We discussed the situation in Suwayda and how to bring together the interests of all parties, de-escalate tensions, and build understanding. pic.twitter.com/A7htbbSl2r
— Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) August 19, 2025
«الشرق الأوسط» تواصلت مع اثنين من الشخصيات السورية المتابعة لأوضاع الجنوب السوري، من منطلق عملها السياسي والبحثي، للتعليق على لقاء الوزير الشيباني مع المفاوض الإسرائيلي في باريس، وأيضاً على وجود موفق طريف متحدثاً عن مطالب دروز سوريا.
محمد صبرا المحامي والسياسي السوري كبير مفاوضي المعارضة في مفاوضات جنيف يقول لـ«الشرق الأوسط»:
ربما تكون الحكومة مضطرة لإجراء مشاورات أمنية مع إسرائيل، على أساس أنها خرقت اتفاقية فصل القوات لعام 1974، واحتلت أراضي سورية جديدة في المنطقة العازلة، وتقوم بخروقات يومية في الداخل السوري. وسوريا الآن بلد محطم لا يستطيع الدفاع عن نفسه عبر الوسائل العسكرية، ولذلك قد نلتمس العذر للحكومة بالقيام بمثل هذه اللقاءات، شريطة أن يكون هدفها هو العودة لتفعيل اتفاقية عام 1974.
لكن للأسف، يتابع صبرا، لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر سياسي أو وطني، لإجراء محادثات سورية إسرائيلية حول السويداء، هذا خرق كبير وانزلاق خطير إلى موقع لا يجوز للحكومة أن تذهب إليه. والمفارقة الأسوأ أن البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية يثير الدهشة والتساؤل، لا سيما الفقرة الواردة حول مناقشة مراقبة وقف إطلاق النار في السويداء مع الوزير الإسرائيلي!
ينهي صبرا تعليقه بالقول: «هذه خطيئة سياسية كبرى كان من الممكن للحكومة أن تتجاوزها بفتح طريق دمشق السويداء، وعودة العلاقات التجارية والاقتصادية بين السويداء وباقي مناطق سوريا».
مضر رياض الدبس باحث وسياسي سوري يقول لـ«الشرق الأوسط»:
بدايةً، إن مشكلة السويداء مشكلة سورية داخلية، صحيحٌ أنها قد تتداخل مع مصالح إقليمية في المنطقة، ولكن بالنسبة للسوريين، يبدو الحل الداخلي للمشكلة شرطاً لازماً لتدبير التدخل، وتحديداً التدخل الإسرائيلي في الشأن الداخلي.
ثمة رسائل مهمة تخرج من سلوك السلطة الانتقالية، وطريقة إدارتها للمشكلة في هذا السياق، وثمة أفكار يتم تثبيتها عرضاً، ولكنَّها مهمة: مثلاً، عندما نُسلِّم لفكرة أن ملف الجنوب السوري يُحلُّ في إسرائيل، فإن المعنى الاستراتيجي لذلك لا يخرج عن تثبيت المساعي الإسرائيلية بأنها صاحبة القرار السوري الداخلي في هذه المنطقة؛ فمن بديهيات القول والفعل، أن السوريين في السويداء لا يمثل تطلعاتهم، وطلباتهم، ونقاش مستقبلهم، إلا من قبل سوريين مثلهم.
ثم إن السوريين في السويداء ليسوا على قلب رجلٍ واحد عندما يتعلق الموضوع بالسياسة، ولا يعني أنهم يتشاركون مذهباً دينياً واحداً، أنهم يتشاركون رأياً سياسياً واحداً، من ثم يتم التسليم أن هذا الرأي يتم التعبير عنه من قبل شخص إسرائيلي يتشارك معهم المذهب، ولكنّه يحمل جنسية دولة معادية.
هذا مشهد غريب عجيب، إذا صار يمثل تفكير الدولة رسمياً، إنّه تسليمٌ كارثي إذا تسلل إلى السلوك الرسمي للسلطة، وقد تكون تبعاته كارثية على الجميع، وبتقديري قد اقترفت السلطة الانتقالية أخطاء كثيرة في هذا السياق تكشف عن ضعفٍ في التخطيط ومأسسة العمل السياسي بحرفية، وتكشف عن تلقائية في الإدارة وغياب للتخطيط الاستراتيجي.
ويتابع الباحث السوري مضر الدبش، بقوله، إن الذي بين إسرائيل وسوريا على المستوى الرسمي لم يعد سراً، ولكن لا يمكن أن نسميه «تفاوضاً»، أو حواراً، بل هو نوعٌ من محاولات السلطة الانتقالية لتفادي شر إسرائيل، ولكن تبدو هذه المحاولات غير مدروسة سياسياً ووطنياً.
القاعدة التي لا تزال تغيب عن المقاربة الرسمية، كما يبدو سلوكها، هي أن العمل في منطقة السياسة الداخلي، وكذلك فكرة الوحدة الوطنية، يعطيان السياسة الخارجية القوة اللازمة لتحديد المصالح القومية، ومن ثم تحقيقها والدفاع عنها. والمقاربة العكسية، التي تبدأ من الخارج لحل مشكلة الداخل، هي بالضرورة مقاربة قاصرة، ومجرَّبة كثيراً، ولا ينبغي أن نستمر بالرهان عليها، وإلا سنخسر فكرة السيادة عن بكرة أبيها على المدى البعيد، وهذا رهان قاصرٌ.