
في قمة شمال حلف الأطلسي (الناتو) التي عقدت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في مدينة لاهاي الهولندية كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو «نجم» القمة التي رضخت لشروطه بزيادة الإنفاق الدفاعي للحلف بنسبة 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأمر الذي وصفه بأنه «انتصار عظيم للولايات المتحدة لأنها تحملت أكثر بكثير من حصتها»، وبذلك زالت المخاوف التي تزايدت خلال الأشهر الأخيرة من احتمال تخلي واشنطن عن حلفائها.
قرار زيادة الإنفاق الدفاعي من 2 في المئة إلى هذا الحد غير المسبوق، جعل إسبانيا تتمرد على القرار وتعلن رفضها له، وتتمسك بنسبة 2 في المئة ما جعل ترامب يهددها ب«دفع الثمن غالياً». في حين لوحظ أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز تحاشى مصافحة ترامب أو التحدث إليه، وفي الصورة الجماعية التذكارية لقادة الحلف ال 32 تعمد سانشيز أن ينأى بنفسه عن الرئيس الأمريكي.
لا شك أن القرار الإسباني يشكل حالة «صداع» داخل أوروبا وحلف الأطلسي، لأنه يبدو كحالة تمرد خارج الإطار الأوروبي، وكأن إسبانيا غير مهتمة بالوحدة الأوروبية وحماية القارة. لكن من الواضح أن مدريد تنفق فقط 1.26 في المئة من ناتجها الإجمالي ما يضعها في أسفل قائمة دول الحلف إنفاقاً، وذلك يعكس تحولات عميقة في سياستها الخارجية، وفي جانب أساسي منه الاستجابة لمعارضة داخلية قوية لزيادة النفقات العسكرية على حساب البرامج الاجتماعية والتحديات الاقتصادية الداخلية. كما تكمن خطورة الموقف الإسباني في موقعها الاستراتيجي الذي يشكل جسراً بين أوروبا وإفريقيا، وتلعب دوراً محورياً في أمن منطقة البحر الأبيض المتوسط.
لكن ما «الثمن الغالي» الذي هدد به ترامب إسبانيا لقاء خروجها على إرادته؟ هل العقوبات الاقتصادية؟ أم المصير السياسي لسانشيز في الانتخابات النيابية المقبلة عام 2027 التي قرر خوضها؟
ما بدا خلال القمة أن المشاركين فيها أرادوا طمأنة الرأي العام الأوروبي بشأن وحدة الحلف، وأن الولايات المتحدة لن تترك الدول الأوروبية وحدها في مواجهة التحديات والمخاطر التي تقول، إنها تواجهها، خصوصاً من جانب روسيا. لكن من الملاحظ أنه على الرغم من أن الأمين العام للحلف مارك روته كان قد أعلن قبيل القمة الرغبة في انضمام أوكرانيا إلى الحلف، فإن البيان المشترك لم يتضمن أي إشارة إلى ذلك، ربما لعدم إثارة حفيظة الرئيس الأمريكي الذي يرفض الانضمام. وقال روته: إن زيادة ال 5 في المئة تمثل «قفزة نوعية طموحة وتاريخية وأساسية من أجل ضمان مستقبلنا»، مشيراً إلى أن روسيا هي «المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في أوروبا»، وهذا يعني أن رفع نسبة الإنفاق الدفاعي يستهدف روسيا بالأساس، إذ سيتم تخصيص 3.5 في المئة للإنفاق العسكري المباشر و1.5 في المئة لتغطية مجالات أمنية أوسع مثل الأمن السيبراني والتنقل العسكري وذلك بحلول عام 2035، ومن ضمن هذه الزيادة سيتم دعم كييف، الذي بلغ حتى الآن 35 مليار يورو خلال هذا العام.
يرى حلف الأطلسي أن استمرار دعم كييف عسكرياً ومالياً يمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من «تحقيق غاياته» في أوكرانيا، ما يلقي شكوكاً حول إمكانية نجاح الجهود الأمريكية بشأن وساطتها بين روسيا وأوكرانيا للتوصل إلى حل سلمي.
المصدر: الخليج