لا يزال الجدل مستمراً بشأن المشاركة العربية في قوات الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة، مع حديث إماراتي عن احتمال عدم المشاركة فيها في ظل عدم وضوح إطار عملها، وسط جهود أميركية متسارعة لاستصدار مشروع قرار بشأنها في مجلس الأمن الدولي قريباً.
ويأتي الموقف الإماراتي غداة مشاورات مصرية قطرية بشأن القوات الدولية وصلاحياتها، وبعد نحو أسبوع من حديث مصري عن احتمال ألا تكون طرفاً فيها، وتزامناً مع وصول المبعوث الخاص الأميركي جاريد كوشنر لإسرائيل لبحث تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي تُعد القوات أحد أبرز بنود المرحلة الثانية المتعلقة بترتيبات أمنية وإدارية ولا تزال متعثرة منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
تلك المواقف العربية في المشاركة في القوات الدولية يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها نتيجة «تردد بسبب ضبابية تفاصيل القوات ومخاوف من عدم حيادتها»، متوقعين أن تدفع تلك المخاوف واشنطن لتنسيق أكبر مع إسرائيل لإجراء تفاهمات وتعديلات وتوضيحات مما يعيد الثقة للمشاركة، أو تستمر فيما هي عليه وتفرض تلك القوات مع إعطاء ضمانات لحياديتها، وقد لا تلقى مشاركة واسعة خشية حدوث صدامات مع الفلسطينيين وعدم رغبتهم في إبدال احتلال بوصاية أجنبية.
ضبابية التفاصيل
وقال المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش، الاثنين، في كلمة بملتقى «أبوظبي الاستراتيجي»: «لا ترى الإمارات حتى الآن إطار عمل واضحاً لقوة حفظ الاستقرار. وفي ظل هذه الظروف، لن تشارك على الأرجح في مثل هذه القوة».
الحديث الإماراتي جاء غداة تأكيد مصر وقطر على «ضرورة تحديد ولاية قوة دعم الاستقرار الدولية وصلاحياتها»، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري، وفق بيان للخارجية المصرية.

وقبل نحو أسبوع، قال وزير خارجية مصر في تصريحات إن «قوة الاستقرار الدولية يجب أن تكون مكونة من أطراف محايدة ومراقبين دوليين على الأرض»، مضيفاً: «بالنسبة لنا ندعم الطرح باعتباره طرحاً إيجابياً لمراقبة وقف إطلاق النار، لكن مشاركة أي قوات مصرية مرهونة بالعديد من المؤشرات والمتطلبات. نؤكد أننا ندعم نشر القوة، وليس بالضرورة نكون طرفاً».
ويعتقد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن «التردد العربي ناتج عن مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة التي تريد وضع القوات تحت قيادتها، لكن ما عليه توافق عربي فلسطيني أن تكون القوات تحت سلطة مجلس الأمن».
أما الخبير المصري المختص في الأمن الإقليمي والدولي، اللواء أحمد الشحات، فيرى أن التردد العربي «مردُّه ضبابية بشأن التفاصيل، وعدم وضوح إطار التكوين والتمويل والمهام بشكل كبير»، مشيراً إلى أن «عدم حسم طبيعة القوات، هل هي أممية أو متعددة الجنسيات، يزيد من هذا التوجس والترقب».
وفي أثناء توالي هذه المواقف العربية القلقة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تصريحات نهاية الأسبوع الماضي أن قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة ستبدأ عملها على الأرض «قريباً جداً»، بعد أيام من إعلان مسؤول أميركي لـ«رويترز» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري أن واشنطن ستشارك مشروع قرار بشأنها مع الأعضاء العشرة المنتخبين بمجلس الأمن الدولي.
ويظهر النص أن الولايات المتحدة صاغت مشروع قرار للمجلس التابع للأمم المتحدة من شأنه الموافقة على تفويض لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي في غزة وقوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع الفلسطيني.
ويبدو أن مشروع القرار الذي نقله موقع «أكسيوس» قبل أسبوع تجاوَب مع بعض مطالب إسرائيل، إذ يتضمن أن تكون القوة الأمنية الدولية «قوة تنفيذية وليست قوة لحفظ السلام»، وأن تسهم في «استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بالإضافة إلى نزع أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم».

وسبق أن قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان في تصريحات متلفزة، الأسبوع الماضي، إن تكليف القوة الدولية بنزع سلاح «حماس» سيؤدي إلى «صدامات» واشتباكات مسلحة.
ويحتاج القرار إلى تسعة أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.
ويعتقد السفير رخا أحمد حسن أن هذا النص هو سبب التعثر حتى الآن في إصدار القرار واستمرار المناقشات في الكواليس بالأمم المتحدة لتحقيق توافقات وتفاهمات، مؤكداً أن مسائل الصلاحيات والمهام ليست مسائل بسيطة، «فالدول العربية وفلسطين لن تقبل بإبدال الاحتلال الإسرائيلي بوصاية وسيطرة أجنبية، خاصة وقد تقود لصدامات»، كما سبق وأعلنت القاهرة.
ويتوقع أن يقود الموقف العربي لتغيير في مشروع القانون وإدخال تعديلات عليه وتوضيحات، خاصة أن من غير الواضح هل هي قوة تنفيذية أم مراقبة فقط، دون أن يستبعد أن تستخدم روسيا أو الصين الفيتو دعماً للمواقف العربية والفلسطينية حال لم تتقبل واشنطن التعديلات وإصدار نص توافقي.
زيارة كوشنر
يتزامن الموقف الإماراتي الأحدث في سلسلة المواقف العربية القلقة مع لقاء أجراه كوشنر مع نتنياهو في إسرائيل وتناول استكمال المرحلة الأولى ومستقبل المرحلة الثانية التي تشمل نشر القوات الدولية، وفق ما ذكره مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان. وقالت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، الأحد، إنه لن يُسمح بنشر «أي قوات تركية على الأرض» في غزة ضمن القوة متعددة الجنسيات.
ويعتقد حسن أن كوشنر سيكون معنياً أكثر بإلزام إسرائيل باستكمال المرحلة الأولى ودفعها لمفاوضات المرحلة الثانية التي تتضمن نشر القوات الدولية، وهو أيضاً ما يحتاج لتفاهمات مسبقة حتى لا يهدد اتفاق غزة مجدداً.
ويرجح الشحات أن «تدفع المخاوف العربية واشنطن لبلورة موقف كامل بالتنسيق مع إسرائيل بشأن القوات، فإما تستجيب للتوضيحات والتعديلات، أو تستمر فيما تطرحه مع مواجهة الرفض العربي الفلسطيني بإعطاء ضمانات لتأكيد حياديتها».

