
حسين زلغوط
خاص_ “رأي سياسي”:

في خضم المواجهة غير المسبوقة بين إيران وإسرائيل خلال الأسابيع الماضية، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب إقليمي مؤثر وحاسم، استطاع أن يجمع بين الحضور الدبلوماسي الفاعل، والتحرك الاستراتيجي المتزن، ليمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة كانت ستشعل الخليج والشرق الأوسط بأكمله.
فمع بدء التصعيد المباشر بين طهران وتل أبيب، سارعت الرياض إلى استخدام أدواتها الدبلوماسية والأمنية، ليس فقط لاحتواء التوتر، بل لبناء قنوات اتصال دولية فعّالة، ساهمت في التمهيد لوقف إطلاق النار وتخفيف منسوب التهديد العسكري في المنطقة.
وقد أكدت الرياض في بيان رسمي في حينه أن أي خرق لسيادة الدول لا يمكن تبريره، داعية إلى الالتزام بالقانون الدولي وضرورة تجنّب الأعمال الأحادية، وأشادت تقارير دولية بقدرة السعودية على الحفاظ على لغة متوازنة تُدين التصعيد، دون الانحياز لطرف دون الآخر.
في موازاة هذا التحرك السياسي، لعبت المملكة دورًا تنسيقيًا مهمًا في الجبهة الدفاعية الخليجية، حيث ساهمت في رصد واعتراض بعض الطائرات المسيّرة التي عبرت أجواءها من الجانبين، كما وفّرت أنظمة إنذار مبكر في إطار التعاون الدفاعي الخليجي الأميركي.
لكن اللافت في الموقف السعودي أنه لم يكن مبنيًا على تحالفات آلية أو عداءات مسبقة. فعقب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران في اذار 2023، حافظت السعودية على قناة تواصل هادئة مع المسؤولين الإيرانيين، مما جعلها طرفًا موثوقًا لدى الجانبين.
ووفق مصادر مطلعة، فان الرياض لعبت دورًا محوريًا في إقناع الطرفين بقبول الوساطة الدولية، خصوصًا من جانب الصين وقطر، وهو ما ساعد على وقف العمليات العسكرية بعد أسبوعين من التصعيد، موضحة ان الجهود السعودية هذه جاءت في اطار مسار دبوماسي يمثل استمرارا للتقارب مع ايران بعد اتفاق عام 2023، كما ان هذه الجهود عبّرت عن مستوى عال من التنسيق السياسي بين البلدين في ظل ظروف أمنية وعسكرية تعصف بالمنطقة.
وفي رأي هذه المصادر ان الموقف السعودي الإيجابي انعكس على استقرار الأسواق الخليجية، حيث شهدت البورصة السعودية ارتفاعًا ملحوظًا بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار. كما رفعت مؤسسات مالية دولية توقعاتها لنمو الاقتصاد السعودي نتيجة الحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة.
اما على المستوى الاستراتيجي فتعتبر المصادر نفسها، ان هذه الأزمة عززت من مكانة السعودية كقوة توازن إقليمي تمتلك التأثير على أطراف متعددة، بما في ذلك إيران، إسرائيل، وواشنطن. وهو ما يفتح الباب أمام دور سعودي أكبر في إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، بما في ذلك القضية الفلسطينية، والتطبيع المحتمل وفقًا للشروط العربية.
مرة أخرى، تؤكد المملكة العربية السعودية مكانتها كقوة إقليمية ناضجة تتحرك بعقلانية في أوقات الأزمات. فبينما انجرفت أطراف نحو التصعيد، اختارت الرياض طريق التهدئة، رافعة راية العقلانية، في منطقة أنهكتها النزاعات، وقد لعبت السعودية دور “صمام الأمان” في أزمة كان من الممكن أن تتحول إلى كارثة إقليمية، وهي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تثبت أنها ليست فقط قلب العالم الإسلامي، بل كذلك عقله الهادئ.