وبالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما من الحلفاء الأمنيين الآسيويين، فإن النبأ الطيب بشأن استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة عندما نُشرت في الخامس من ديسمبر/كانون الأول هو أن هذه البلدان لم تعامل بنفس القدر من السوء الذي حدث مع الأوروبيين. وعلى عكس المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يتعرضوا للهجوم، ولم يتم تحذيرهم من أنهم يخاطرون بـ “المحو الحضاري” من خلال قبول المهاجرين، ولم يتم تهديدهم بتدخل الولايات المتحدة في سياساتهم الداخلية.
لكن حقيقة أن إدارة ترامب لم تعامل حلفائها الآسيويين بنفس الازدراء لا يعني أن بإمكانهم الاسترخاء.
الحقيقة المركزية حول رئاسة ترامب-فانس، والتي أكدتها هذه الوثيقة الجديدة رغم أنها لم تبدأ، هي أن هذه الإدارة لا تهتم بالتجمع الذي كان يسمى الغرب ولا تعتبر الحلفاء عاملاً مهمًا أو رصيدًا في سياستها الخارجية ودبلوماسيتها. إن معنى “أمريكا أولا” الذي ظهر خلال عام 2025 ليس معنى انعزاليا على الإطلاق، بل هو معنى يعطي الأولوية لتفسير ضيق للمصالح الوطنية الأمريكية.
وبموجب هذا التفسير، يُعتبر الحلفاء عبئًا وأحيانًا عائقًا أمام تلك المصالح، ونتيجة لذلك، يُنظر إليهم بطريقة تجارية للغاية. في بعض الأحيان يجب الترحيب بهم ودعمهم، ولكن في أحيان أخرى يمكن تجاهلهم أو حتى إزاحتهم جانبًا.
وقد ظهر هذا في الدعم الفاتر بشكل ملحوظ من جانب ترامب وفريقه لرئيسة الوزراء ساناي تاكايشي في نزاعها مع الصين بشأن تايوان، وفي السلوك الاستفزازي المتعمد الأخير من جانب القوات الجوية الصينية ضد الطائرات المقاتلة اليابانية.
وكان وكيل وزارة الحرب لشؤون السياسة، إلبريدج كولبي، قد حث اليابان علناً في السابق على أن تكون صريحة بشأن كيفية رد جيشها في حالة غزو تايوان أو إكراهها. والآن بعد أن فعل رئيس الوزراء تاكايشي ذلك على وجه التحديد، فقد التزم الصمت هو، والأهم من ذلك، الرئيس ترامب.
صحيح أن استراتيجية الأمن القومي نقلت موقفاً أميركياً تجاه تايوان كان متشدداً ومتوافقاً مع موقف الإدارات السابقة. وتحدثت بوضوح ضد أي محاولة قسرية لتغيير الوضع الراهن، وفضلت الحفاظ على الردع العسكري لتجنب الصراع. ومن المرجح أن تعمل وثيقة السياسة التالية المستحقة على الإدارة، أو “مراجعة الوضع العالمي”، والتي يقال إنها مسؤولية كولبي، على تعزيز هذا الموقف والشعور باستمرارية السياسة.
ومع ذلك، فإن غياب الاستمرارية بشكل ملحوظ في استراتيجية الأمن القومي كان في التصوير الأوسع للتهديدات الصينية والروسية. بالكاد تم ذكر روسيا على الإطلاق باعتبارها تهديدًا؛ فقد دعت الوثيقة ببساطة إلى إعادة تأسيس ما أسمته “الاستقرار الاستراتيجي” مع روسيا، من دون الإشارة إلى أن غزو روسيا لمستعمرتها السابقة، أوكرانيا، هو الذي دمر هذا “الاستقرار الاستراتيجي” في أوروبا.
وهذا للأسف ليس مفاجئاً نظراً لسلوك إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة: فبعد إعلانها عما تبين أنها عقوبات زائفة تماماً على عدد قليل من شركات النفط الروسية (ولكن ليس كلها)، أنتجت بعد ذلك خطة سلام مفترضة لأوكرانيا، والكثير منها كتبه الروس أنفسهم في الأساس. وبالتالي، يتم التعامل مع روسيا باعتبارها حليفاً مأمولاً في المستقبل أكثر من كونها تهديداً.
وكانت اللغة المتعلقة بالصين تعترف بالمنافسة الاستراتيجية الجارية بين القوتين العظميين الرائدتين في العالم، كما تعترف بالأهمية الحاسمة التي يلعبها منطقة غرب المحيط الهادئ وسلسلة الجزر التي تمتد من اليابان عبر تايوان إلى الفلبين. لكن استراتيجية الأمن القومي حددت الصين في المقام الأول باعتبارها تهديدا اقتصاديا، وليس تهديدا عسكريا.
وقد يعكس هذا حقيقة مفادها أن الرئيسين ترامب وشي جين بينج في خضم المفاوضات حول التجارة والتكنولوجيا، والتي من المتوقع أن تنتهي في قمتين في الصين والولايات المتحدة في الربيع المقبل. ولكن هذا التركيز لابد أن يشكل مصدر قلق لكل حلفاء أميركا الأمنيين في آسيا على المدى الطويل.

وقد تكشف مراجعة الوضع العالمي عن المزيد من الخطط لنشر أصول عسكرية قوية في آسيا، مع الدور الذي أكد عليه رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي في الحفاظ على منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمفتوحة، وحرمان الصين من الفرصة والأمل في السيطرة على تلك المنطقة الشاسعة والحيوية.
وهذا بالتأكيد ما دافع عنه كولبي في كتابه الصادر عام 2021 بعنوان “استراتيجية الإنكار” قبل أن يتولى منصبه.
يتعلق السؤال الكبير وغير القابل للإجابة في الوقت الحالي بالأولوية التي يمنحها الرئيس ترامب ونائبه جيه دي فانس لمواجهة الصين و”إنكارها” (باستخدام كلمات كولبي) وردعها. ورغم أن القدرات العسكرية وعمليات الانتشار تشكل جزءاً ضرورياً من هذه الجهود، فإنها ليست كافية: فالإرادة السياسية مطلوبة أيضاً. إن غياب تلك الإرادة السياسية فيما يتصل بالتوترات بين اليابان والصين بشأن تايوان هو الأمر الأكثر إثارة للقلق.
ويتعين على الحلفاء الآسيويين أيضاً أن يفكروا بعناية في اللغة المستخدمة في استراتيجية الأمن القومي فيما يتصل بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في نصف الكرة الغربي، والتي يقصد بها الأميركيون البحر الكاريبي وأميركا الجنوبية. وتشير تلك اللغة إلى “مبدأ مونرو” الذي ظهر في القرن التاسع عشر، والذي سمي على اسم الرئيس الأمريكي في عشرينيات القرن التاسع عشر الذي أعلن أن الدولة الأمريكية الناشئة آنذاك تعتبر نصف الكرة الغربي مجال اهتمامها الخاص.
وكان الهدف من ذلك هو تثبيط المزيد من التدخل في تلك المنطقة من قبل القوى الإمبريالية الأوروبية، وخاصة بريطانيا العظمى. في أوائل القرن العشرين، أعلن الرئيس ثيودور روزفلت ما أصبح يسمى “نتيجة روزفلت الطبيعية” لمبدأ مونرو عندما هدد باستخدام القوة العسكرية لفرض تلك المصالح.
ولا بد أن القادة الصينيين لاحظوا أن النوايا المعلنة لاستراتيجية الأمن القومي فيما يتعلق بالسيطرة الأميركية على نصف الكرة الغربي تمثل نسخة ترامب الخاصة من تلك “النتيجة الطبيعية لروزفلت”. وسوف يلاحظون أوجه التشابه مع ما كانت الصين تحاول تحقيقه في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي: السيطرة الاستراتيجية على المنطقة بأكملها داخل سلسلة الجزر التي تربط اليابان بتايوان والفلبين.
لم تكن السياسة الخارجية لإدارة ترامب معروفة قط بتماسكها أو تماسكها. لذا فمن الممكن تماما أن يفكر ترامب في أن حماية مجال المصالح الأمريكية يتوافق تماما مع السعي إلى منع الصين من السيطرة على منطقتها الاستراتيجية على حساب اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان وغيرها.
لكن الاحتمال الآخر يجب أن يؤخذ على محمل الجد الآن: أن يسمح ترامب للصين وروسيا بإنشاء مجالات اهتمامهما الخاصة، على نحو سيكون من الصعب للغاية على الإدارات المستقبلية أن تتراجع عنه. إن تثبيط أي تحرك من هذا القبيل لابد وأن يكون على رأس الأولويات الدبلوماسية بالنسبة لكل دولة ومنظمة في المنطقة، سواء كحكومات وطنية أو كرابطة دول جنوب شرق آسيا.
هذه هي النسخة الإنجليزية الأصلية للمقالة التي نشرتها في الأصل صحيفة ماينيتشي شيمبون باللغتين اليابانية والإنجليزية. ويمكن العثور عليه أيضًا باللغة الإنجليزية في Global View Substack الخاص بـ Bill Emmott. أعيد نشره بإذن.

