أشاد صندوق النقد الدولي بالتقدُّم الملحوظ الذي حققه الاقتصاد السعودي في مسار الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية، التي مكّنت من تجاوز التحديات المرتبطة بأسعار النفط والتوترات الجيوسياسية.
تأتي هذه الإشادة الدولية المتجددة في وقت أكد فيه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، أن المرحلة السابقة أظهرت قدرة القطاعين العام والخاص على مواجهة التحديات والتأقلم السريع مع تغيُّر الظروف، كما كان لجودة الأداء الحكومي دور بارز في امتصاص الصدمات الاقتصادية ومرونة ومراجعة مسار برامج وتحويرها ومكوناتها لتكون أكثر مناعة ضد أي تقلبات، دون تعطيل متطلبات التنمية.
ولفت ولي العهد إلى أن الاقتصاد السعودي يمضي في تنويع مساراته، وتأكيد قدرته على تقليص الاعتماد على النفط، وأن الأنشطة غير النفطية حققت للمرة الأولى في تاريخها ما نسبته 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
اقتصاد متنوع
في حديثه ضمن فعاليات المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لجمعية الاقتصاد السعودية، أشار رئيس بعثة «صندوق النقد الدولي» إلى السعودية، أمين ماتي، إلى أن التقدّم الذي حققته المملكة يُرسّخ مكانتها كاقتصاد متنوع ومرن في المنطقة.
وكان «صندوق النقد الدولي» رفع توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي للعامين الحالي والمقبل إلى 3.6 في المائة و3.9 في المائة على التوالي، عازياً ذلك إلى مرونة اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات العالمية، والنمو المتسارع في الأنشطة غير النفطية التي باتت تقود دفة التحول الاقتصادي، إضافة إلى تحسّن مرتقب في عائدات النفط.
وقال خلال جلسة «نظرة صندوق النقد الدولي للاقتصاد السعودي» التي أقيمت ضمن المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لجمعية الاقتصاد السعودية في جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة، إن الاقتصاد السعودي شهد تسارعاً في إصدار القوانين التي تهدف إلى تسهيل بيئة الأعمال، مثل قوانين الاستثمار والإفلاس والمعاملات التجارية، مما يعزز مساهمة القطاع الخاص.
مرونة الاقتصاد
رغم الصدمات المتعددة، بما في ذلك تقلبات النفط، أشار ماتي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة ظل قوياً؛ حيث بلغ الناتج الاسمي نحو 4 – 4.5 في المائة، مدفوعاً بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4 في المائة أو أكثر.
كما بلغ معدل البطالة أدنى مستوياته عند 6.3 في المائة، وهو ما يعكس قدرة القطاع الخاص على دعم النمو وتوفير فرص العمل؛ حيث ساهم هذا القطاع بشكل كبير في النمو الاقتصادي منذ عام 2018. كما أشار إلى أن التضخم لا يزال مستقراً عند نحو 2 في المائة.
ولفت ماتي إلى أن التقدم في تحقيق أهداف «رؤية 2030» كان ملموساً، مثل تجاوز عدد السياح المستهدف لعام 2030. وتضاعف الإيرادات الحكومية 3 مرات. ومع ذلك، أشار إلى أن هناك بعض الأهداف التي تحتاج إلى المزيد من الجهد، مثل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي لم تصل بعد إلى المستويات المحددة.
تأثيرات النفط والقطاع المالي
أوضح ماتي أن تأثير التقلبات النفطية على الاقتصاد السعودي أصبح أقل من السابق، بفضل انخفاض الترابط المباشر بين الإيرادات النفطية والنشاط الاقتصادي، ووجود احتياطيات مالية كافية.
وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي، أشار إلى أن نسبة القروض إلى الودائع تجاوزت 100 في المائة لأول مرة منذ عام 1993، مما يعكس رغبة البنوك في توسيع الإقراض للشركات والقطاع الخاص. وقد دفع هذا الوضع البنوك إلى تنويع مصادر تمويلها من خلال الاقتراض الخارجي وأدوات الدين المختلفة.
وأشار في هذا الإطار إلى أن «المصرف المركزي السعودي (ساما)» اتخذ إجراءات تستهدف ضبط المخاطر المرتبطة بالتدفقات قصيرة الأجل، ومراقبة التوسع في الإقراض المصرفي.
مستقبل مستدام
شدد ماتي على أهمية استمرار الإصلاحات الهيكلية بغض النظر عن أسعار النفط، لضمان استدامة النمو. وأكد على وجود إمكانات كبيرة لتعزيز الإيرادات الحكومية، من خلال إصلاح الضرائب وإلغاء الإعفاءات غير المستهدَفة.
كما سلط الضوء على أهمية تطوير رأس المال البشري، مشيراً إلى أن الإصلاحات ساهمت في زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة بشكل كبير. وأكد على ضرورة مواءمة المناهج التعليمية مع متطلبات سوق العمل المستقبلية، خاصة في المهارات التقنية والمهنية.
وفي الختام، أكد ماتي أن تنفيذ الإصلاحات التنظيمية، مثل قانون الاستثمار والقانون المدني، أمر حاسم لزيادة ثقة المستثمرين وتوفير بيئة أعمال مستقرة.