
في تطور دراماتيكي قد يعيد رسم ملامح العلاقة الحساسة بين قطر وإيران، شنّت الأخيرة فجر امس الأول هجوماً صاروخياً استهدف قاعدة “العديد” الجوية، التي تضم قوات أميركية في قلب العاصمة القطرية الدوحة. وبينما لم تسفر الضربة عن خسائر بشرية أو مادية كبيرة، إلا أن صداها السياسي تردد عالياً في أروقة الخليج والغرب على حد سواء، لتبرز تساؤلات جوهرية: هل تجاوزت طهران الخطوط الحمراء؟ وهل تستطيع الدوحة تجاهل ما تعتبره انتهاكاً لسيادتها؟ أم أن قطر ستسعى لاحتواء التصعيد حفاظاً على التوازن الدقيق الذي طالما تبنّته في علاقتها بطهران وواشنطن على حد سواء؟
في أول تعليق رسمي، وصفت الدوحة العملية بأنها “اعتداء غير مبرر على السيادة القطرية”، مؤكدة أنها تحتفظ “بحق الرد وفقاً للقانون الدولي”. من جهتها، شددت طهران على أن الضربة كانت موجهة ضد “الوجود الأميركي فقط”، وأنها “حريصة على علاقاتها الأخوية مع قطر”، ما اعتبره محللون محاولة للتقليل من وطأة الحدث وتحييد الدوحة سياسياً
ورغم اللهجة القطرية الرسمية التي ندّدت بالهجوم، فإن مراقبين يعتقدون أن الدوحة لن تتجه نحو القطيعة مع طهران. فالملف الإيراني شديد التعقيد، والدوحة تدرك أن التورط في معسكر معادٍ لطهران قد يكلفها نفوذاً إقليمياً بنته بعناية على مدى سنوات.
وفي المقابل، من المرجح أن تصعّد قطر من تحركاتها الدبلوماسية خلف الكواليس، ساعية إلى احتواء تداعيات الهجوم وتأكيد موقفها أمام الحليف الأميركي، دون أن تقطع شعرة معاوية مع الجار القريب.
ان المؤشرات حتى اللحظة توحي بأن قطر لن تغيّر مسار سياستها الخارجية، لكنها قد تفرض قيوداً إضافية على استخدام قاعدتها العسكرية في صراعات إقليمية. كما قد ترفع مستوى التنسيق الأمني مع واشنطن، من دون الإضرار بخطوط التواصل مع طهران.
الدوحة، التي طالما قدمت نفسها كلاعب توافقي في بيئة شديدة الاستقطاب، تجد نفسها اليوم أمام اختبار سياسي حقيقي: كيف ترد على انتهاك سيادتها دون التفريط في مكانتها كوسيط؟ وهل تستطيع الحفاظ على توازنها الدقيق في لحظة إقليمية مشحونة؟ فلننتظر لنرى ما اذا كانت الايام المقبلة ستحمل الإجابة.