
في خضمّ الأزمات السياسية والعسكرية التي تعصف بإسرائيل، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو محاولاته لإعادة تشكيل إرثه السياسي بصورة تتجاوز حدود الزعامة التقليدية، ليرتقي إلى مصاف “الزعيم المؤسِّس”، دافيد بن غوريون، الأب الروحي لإسرائيل ومُعلِن قيامها في عام 1948. لكن السؤال: هل يمكن لنتنياهو، بعد أكثر من 16 عاماً في الحكم، أن يحقّق هذا الطموح؟ وهل يقف التاريخ والواقع إلى جانبه في هذه الرحلة الطموحة؟
يبدو أن نتنياهو يجد نفسه اليوم في موقع زعيم في زمن الأزمات، تقوده طموحاته السياسية والشخصية إلى محاولة صياغة مرحلة “تأسيسية جديدة” لإسرائيل، لكن عبر أدوات وسياسات تصفها المعارضة الإسرائيلية، وحتى بعض الحلفاء، بأنها تهدّد بنية الدولة، لا إعادة تأسيسها.
تلقت إسرائيل قبل أقلّ من عامين ضربة قاسية غير مسبوقة في تاريخها العسكري عبر هجوم حركة حماس، الذي اعتبره كثيرون فشلاً استخباراتياً وسياسياً مدوّياً لحكومة نتنياهو. ومع تصاعد الحرب في غزة وتزايد الضغوط الدولية، يسعى نتنياهو لتحويل المعركة إلى فرصة لترسيخ صورته كقائد في زمن الحرب، تماماً كما فعل بن غوريون إبان حروب 1948 و1956.
غير أن الفارق بين الرجلين يكمن في السياق والنتائج. فبن غوريون قاد معارك التأسيس بدعم شعبي ودولي نسبي، بينما يواجه نتنياهو اليوم انقساماً داخلياً غير مسبوق، وعزلة دولية متزايدة، ومطالبات باستقالته حتى من داخل معسكر اليمين المتطرّف.
يقدّم نتنياهو نفسه كصاحب مشروع طويل الأمد، يمتدّ لقرون، وليس فقط لسنوات حكم، لكن فاته أن الزعامة التاريخية لا تُمنَح بالمطالبة، بل تُكتسب من خلال توافق مجتمعي، وتحقيق إنجازات ملموسة تتجاوز الجدل السياسي. وفي هذا الجانب، يبقى نتنياهو بعيداً عن المكانة التي حجزها بن غوريون في ذاكرة الإسرائيليين، وحتى في صفحات التاريخ.
ربما يكون من حقّ نتنياهو أن يطمح لتدوين اسمه في سجلّ الزعماء الكبار، لكن طريقه محفوف بالتناقضات: فهو زعيم يميني يفتقر للإجماع، ويحكم في ظلّ أزمات لا في ظلّ تأسيس، ويتّخذ قرارات مثيرة للجدل بدلاً من بناء توافق وطني.
وفي النهاية، قد لا يكون السؤال هو: هل يصبح نتنياهو بن غوريون الجديد؟ بل: هل ستبقى إسرائيل التي أسّسها بن غوريون كما هي بعد نتنياهو؟