
تعيش الساحة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة على وقع تصعيدٍ سياسي وإعلاميٍّ محموم، يروّج لاحتمال تنفيذ عدوانٍ واسعٍ على لبنان، في ظلّ استمرار الاعتداءات على أكثر من منطقة في الجنوب والبقاع. هذا الضخّ المكثّف، الذي يتوزّع بين تهديداتٍ رسمية وتصريحاتٍ عسكرية وتسريباتٍ إعلامية، لا يمكن قراءته بمعزلٍ عن الحسابات الإسرائيلية الداخلية والإقليمية، ولا عن الكلام المتزايد بأنّ “حزب الله” أعاد ترميم قوّته.
تبدو الحملة الحالية أقرب إلى عمليةٍ نفسيةٍ ممنهجةٍ منها إلى استعدادٍ فعليٍّ لحربٍ شاملة. فالمؤسسة الإسرائيلية تستخدم لغة الحرب لتثبيت عدّة أهدافٍ متداخلة، أبرزها توظيف التوتّر الخارجي في خدمة أجندةٍ سياسيةٍ داخليةٍ تعاني من الانقسام، وخوف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن يُوضَع مع قابل الأيام وراء القضبان بعد محاكمته.
الحكومة الإسرائيلية تواجه أزمةَ ثقةٍ غير مسبوقة، وضغوطاً داخليةً متصاعدة، ما يجعل التلويح بالحرب وسيلةً لتوحيد الجبهة الداخلية خلف القيادة السياسية، وإشغال الرأي العام عن الأزمات البنيوية التي تضرب مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية.
في المقابل، يحمل الضخّ الإعلامي الإسرائيلي رسائلَ موجّهةً إلى الداخل اللبناني، في محاولةٍ لإثارة الهواجس الأمنية والاجتماعية، ودفع القوى السياسية إلى ممارسة ضغطٍ على حزب الله لتسليم سلاحه. كما يسعى الخطاب الإسرائيلي إلى طمأنة الحلفاء الإقليميين والدوليين بأنّ تل أبيب تملك زمام المبادرة، وأنّها قادرة على إعادة فتح الجبهة مع لبنان إذا اقتضت مصالحها الاستراتيجية ذلك.
في ضوء ذلك، يمكن القول إنّ الضخّ السياسي والإعلامي الإسرائيلي يشكّل في جوهره أداةَ حربٍ نفسيةٍ تهدف إلى خلق بيئةِ ضغطٍ استراتيجي، أكثر منه تمهيداً فعلياً لعملٍ عسكريٍّ شامل. ومع ذلك، تبقى احتمالية “الخطأ المحسوب” أو التصعيد غير المقصود واردة، خصوصاً في ظلّ التصعيد المتواصل من قبل إسرائيل وارتفاع منسوب الخطاب العدائي، ما يجعل لبنان يقف على حافة التوازن الدقيق بين التهويل والاشتعال.

