
تسلّط الأرقام التي كشفت عنها وزارة دفاع العدو الإسرائيلي حول إصابات الجيش منذ هجوم 7 تشرين الأول من العام 2023، الضوء على جانب غالبًا ما يُهمَّش في السرد العسكري حيث كشفت أن الكلفة النفسية التي يخرج بها الجنود من ساحات المواجهة تجاوز 22 ألف إصابة بين ضابط وجندي خلال عام واحد وهذا الأمر ليس مجرد معطى عسكري، بل مؤشر على حجم الاستنزاف الذي يتعرض له الجيش الإسرائيلي، لا في الجبهة فحسب بل في العمق الاجتماعي والنفسي للمؤسسة العسكرية.
واللافت في التصريح الرسمي للعدو أن 58 بالمئة من هؤلاء المصابين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهي نسبة مرتفعة تعكس تآكلًا داخليًا لا يمكن للجيش تجاهله. فاضطراب ما بعد الصدمة ليس إصابة عابرة، بل إنه جرح طويل الأمد يرافق العسكري إلى حياته اليومية، ينعكس على قدرته على العودة للخدمة وعلى أسرته وبيئته، ويترك أثرًا مجتمعياً تتراكم تبعاته مع مرور الزمن.
والكشف عن هذه النسبة تدفع إلى قراءة أعمق لطبيعة العمليات التي خاضها الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة، والتي اتسمت بكثافة نيران عالية، واحتكاك مباشر، ومشاهد ميدانية قاسية، خصوصًا في غزة ومحيطها. ومع امتداد المعارك وزيادة فترات الخدمة الاحتياطية، صار الضغط النفسي مضاعفا، ما يفسر هذا الارتفاع الحاد في حالات الصدمة.
وفي الوقت نفسه، تظهر هذه المعطيات فجوة متنامية بين القدرة العملياتية الحقيقية للجيش والصورة التي يسعى إلى تقديمها. فجيش يعاني أكثر من نصف مصابيه من اضطرابات نفسية بحاجة إلى إعادة تقييم عميقة، ليس فقط لخططه العسكرية، بل أيضًا لبرامج الدعم النفسي وإعادة التأهيل، إذ بات واضحا أن المنظومة العسكرية الحالية لا تستوعب حجم المشكلة ولا توفر استجابة كافية لها، كما أن هذه الأرقام تحمل بلا شك ولا ريب انعكاسات سياسية واجتماعية واسعة داخل الكيان إلإسرائيلي، حيث تتصاعد الأسئلة حول كلفة الحرب وحدود القدرة على الاستمرار في عمليات طويلة الأمد. فالمجتمع الذي يستقبل كل يوم جنودا مصابين بصدمات نفسية سيجد نفسه أمام نقاشات أكثر حدّة حول معنى الحرب وجدواها.
كما ان هذه المعطيات تكشف أن المعركة الأكثر إيلاما قد لا تكون على الأرض، بل تلك التي يعيشها الجنود في صمت، بعد أن يعودوا إلى بيوتهم مثقلين بما لا يستطيع أحد الشعور به الا هم.

