
الطائرات المسيرة، أو ما يُعرف بـ”الدرون”، لم تعد مجرد أدوات مراقبة أو تقنيات عسكرية متقدمة، بل أصبحت لاعباً أساسياً في ميدان المعركة الحديثة، وأداة حاسمة في الحروب والصراعات حول العالم.
لكن السؤال كيف بدأت هذه التكنولوجيا؟ ومن يقف وراء اختراعها؟ وما الدور الذي تلعبه اليوم في إعادة تشكيل الحروب وتغيير موازين القوى؟
تعود جذور الطائرات المسيرة إلى أوائل القرن العشرين، وتحديدا في الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت كل من ألمانيا والولايات المتحدة طائرات من دون طيار لأغراض التدريب والمراقبة، لكن الاستخدام ظل تجريبياً ولم يُحدث أثراً استراتيجياً كبيراً.
في سبعينيات القرن الماضي، ساهم المهندس الإسرائيلي “أبراهام كيرش” في تطوير أحد أولى الطائرات المسيرة الحديثة لأغراض الاستطلاع، ضمن مشروع سري في الجيش الإسرائيلي. لكن التحول النوعي جاء لاحقاً مع الولايات المتحدة، التي طورت طائرة “بريديتور” في تسعينيات القرن الماضي، لتبدأ باستخدامها في عمليات استطلاع ثم في عمليات استهداف.
وفي عام 2001، بعد أحداث 11 ايلول، دخلت الطائرات المسيرة مرحلة جديدة، حين استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والجيش الأمريكي في تنفيذ ضربات جوية ضد أهداف في أفغانستان، لتصبح بعدها جزءاً لا يتجزأ من السياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
اليوم، باتت الطائرات المسيرة حاضرة في معظم النزاعات الكبرى حول العالم. تُستخدم بشكل واسع في أوكرانيا من قِبل الطرفين، وتلعب دوراً كبيراً في الحرب على غزة، وعلى لبنان، كما تمثل ركيزة أساسية في العمليات العسكرية التركية بسوريا والعراق، من خلال طائرات “بيرقدار” الشهيرة.
كذلك، برزت إيران كمطور رئيسي لطائرات مسيرة منخفضة التكلفة مثل “شاهد 136″، التي استُخدمت في الهجمات الروسية على الأراضي الأوكرانية، مما فتح الباب أمام تحول هذه التكنولوجيا إلى سلاح فعّال في الحروب غير المتكافئة.
لكن في مقابل كل ذلك، تثير هذه الطائرات جدلاً قانونياً وأخلاقياً كبيراً، بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في بعض العمليات، فضلاً عن استخدامها في تنفيذ “عمليات قتل” دون محاكمة.
تشير التقديرات إلى أن الجيوش الحديثة تتجه نحو زيادة الاعتماد على الطائرات المسيرة، ليس فقط في المهام الهجومية والاستطلاعية، بل أيضاً في الدعم اللوجستي والاتصال الإلكتروني، وحتى في “الحرب السيبرانية”.