
في كل أسبوع، تتكشّف أمام المشاهدين اللبنانيين حلقات جديدة من مسلسل العبث بصحّة الناس، عبر تقارير تلفزيونية تُظهر حجم الانهيار في معايير السلامة الغذائية داخل عدد من المطاعم والمؤسسات التي يُفترض بها أن تكون محلّ ثقة.
المشهد بات اعتياديًا: موادّ فاسدة، لحوم مجهولة المصدر، برّادات متعطّلة، ومستودعات يصلح بعضها أن يكون مكبًّا للنفايات لا مكانًا لتصنيع الطعام. والأخطر أنّ المفاجأة لم تعد في الوقائع نفسها، بل في تكرارها، وكأنّ الذنب بلا صاحب، والجريمة بلا رادع.
وما يثير الغضب ليس فقط ما يُكشف على الشاشات، بل ما لا يُكشف؛ فالمراقبة التي يُفترض أن تكون يومية باتت موسمية، تتحرّك حين تفوح الروائح وتعلو الصرخات، ثم تعود إلى سباتها العميق. هكذا تُترك صحّة المواطنين رهينة ضمير بعض التجار، وضمير هؤلاء كما تُظهر الوقائع متآكلٌ تحت ضغط الربح وانعدام المحاسبة.
إنّ استمرار ظهور هذه المخالفات أسبوعًا بعد أسبوع يؤشّر إلى منظومة مترهّلة، لا تملك إرادة الردع ولا أدوات التفتيش الجاد. فكيف يمكن لمطعم أن يقدّم وجبات فاخرة لزبائنه فيما يخبّئ خلف الجدران ما يشبه المشاهد من فيلم رعب؟ وكيف يمكن لوزارة معنيّة بالصحة أن تكتفي بردود خجولة، بينما تُنتهك صحّة الناس أمام الكاميرات؟
بات من الواضح أنّ المشكلة لم تعد في بعض المخالفين؛ المشكلة في بيئة كاملة تشجّع الفساد عبر التغاضي والتسويات.
إنّ إصلاح هذا الواقع يبدأ من اعتبار سلامة الغذاء قضية أمن قومي، لا ملفًا إداريًا يُفتح ويُقفل؛ فالمطلوب رقابة صارمة، دائمة، وشفّافة، لا حملات موسمية تُستخدم لرفع العتب.
اللبنانيون يستحقون طعامًا نظيفًا، واحترامًا أكبر من هذه الفوضى التي تهدّد صحّتهم كل يوم. وما يُكشف على الشاشات ليس فضائح المؤسسات فقط، بل فضيحة دولة تقف متفرّجة بينما تُنتهك أبسط حقوق مواطنيها، وهي اللقمة الآمنة.

