
في واحدةٍ من أكثر الحوادث دلالةً منذ اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، شهدت بلدة بليدا الجنوبية فجر أمس الأول حادثةً خطيرة حين اقتحمت قوةٌ إسرائيلية مبنى البلدية وتسببت في مقتل الشرطي البلدي إبراهيم سلامة، الذي كان يبيت داخل المبنى في إطار مهامه لحمايته.
العملية التي وُصفت على المستوى اللبناني بأنها خرقٌ فاضحٌ للسيادة وانتهاكٌ صريحٌ لاتفاق الهدنة، فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ حول مدى جدوى وجود الجهات الدولية الضامنة للهدنة، وفي مقدمتها قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب.
لا بد من الإشارة أولًا إلى رواية الشهود من الأهالي، الذين قالوا إن وحدةً إسرائيليةً خاصةً تقدّمت ليلًا إلى داخل الأراضي اللبنانية لمسافةٍ تتجاوز الألف متر، في عملية تسلّلٍ نادرةٍ من نوعها، قبل أن تقتحم مبنى بلدية بليدا.
الشهيد إبراهيم سلامة، وهو عنصرُ شرطةٍ بلدية، كان يبيت داخل المبنى كجزءٍ من مهماته البلدية، قبل أن يتعرّض لإطلاق نارٍ مباشرٍ أرداه قتيلًا على الفور.
هذه العملية تحمل أكثر من دلالةٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ، فمن الناحية القانونية، يُعتبر استهداف مرفقٍ بلديٍّ خاضعٍ لإدارة الدولة اللبنانية انتهاكًا مباشرًا لسيادتها وللقانون الدولي الإنساني، خصوصًا أن المنطقة تقع ضمن نطاق عمليات قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
أما من الناحية السياسية، فترى مصادرُ مراقبةٌ أن الحادثة قد تُشكّل رسالةَ ضغطٍ إسرائيليةً مزدوجة: من جهةٍ، لإظهار عدم التزام تل أبيب بأيّ قيودٍ ميدانيةٍ رغم الهدنة؛ ومن جهةٍ أخرى، لاختبار موقف اليونيفيل والمجتمع الدولي حيال أيّ تصعيدٍ محتملٍ في الجنوب.
لا شكّ أن حادثة بليدا أعادت إلى الواجهة النقاش حول فعالية الضمانات الدولية، خصوصًا في ظلّ عجزها عن منع الخروقات المتكرّرة جوًّا وبرًّا، كما أن هذه الحادثة تُعدّ مؤشرًا جديدًا على هشاشة الاستقرار في الجنوب، وعلى إمكان انزلاق الوضع نحو مواجهةٍ أوسع إذا استمرّ غياب المحاسبة.
ويبقى السؤال الموجَّه إلى المجتمع الدولي والجهات الضامنة: هل الهدنة قائمةٌ فعلًا… أم أنها لفظيًّا فقط، فيما الميدان يروي حكايةً أخرى؟

 
									 
					