
تتفاقم أزمة الإيجارات غير السكنية في لبنان بصمت منذ سنوات، فبين قوانين قديمة لا تزال تُطبّق، وغياب أيّ تشريع عصري يعالج التفاوتات العميقة بين المالكين والمستأجرين، يعيش القطاع التجاري والصناعي والخدماتي تحت وطأة نزاعات مزمنة، باتت تهدّد استمرارية الأعمال والاستثمار في البلد.
من المعلوم أنّ الإيجارات غير السكنية في لبنان – ومنها المحال التجارية، المكاتب، الورش، والمخازن – تخضع إلى قانون الإيجارات القديم الصادر عام 1955، لا سيّما العقود المُوقّعة قبل 23 تموز 1992، وهي فئة من العقود لم يطلها التعديل الذي أقرّه مجلس النواب عام 2014 بالنسبة للإيجارات السكنية.
وفي 12/6/2025 صدر قانون بهذا الشأن، لكن تم الطعن به، وتقدّم نواب باقتراح تعديل بعض مواد القانون، وخضع لنقاش مستفيض في اللجان المشتركة التي أقرّته ورفعته إلى الهيئة العامة. وقد وُضع على جدول أعمال الجلسة العامة أمس، لكن وعند البدء بمناقشته تبيّن أنّ القانون سيخضع لنقاش نيابي، ونظرًا لعدم التوافق عليه بشكل نهائي، وبفعل ضيق الوقت، رفع الرئيس بري الجلسة من دون المصادقة عليه، مما أعاده إلى أدراج المجلس بانتظار تحديد موعد جديد لجلسة تشريعية عامة، وبذلك بقيت الأمور معلّقة.
لا شكّ أنّ غياب الإطار القانوني الواضح والعادل لإيجارات الأماكن غير السكنية، يؤثر سلبًا على بيئة الأعمال في لبنان. فالمستثمر الصغير لا يشعر بالأمان، والمالك لا يثق بالعقود، والسلطات العامة عاجزة عن ضبط السوق أو حماية الحقوق، وهذا الواقع سيفاقم ظاهرة الإقفال القسري للمحال، ويعزّز الاقتصاد غير النظامي، ويضرب ما تبقى من الحركة التجارية. وإن لم يتمّ التوصّل إلى قانون عصري وعادل ينظّم الإيجارات غير السكنية، فإنّ قطاعًا أساسيًا من الاقتصاد اللبناني سيستمر في التآكل، وستغيب الثقة بالاستثمار المحلي. فالمطلوب اليوم هو قانون يوازن بين حقوق المالك وقدرة المستأجر، ويُعيد النظام إلى أحد أكثر القطاعات تأثرًا بالأزمة.