
في السنوات الأخيرة تحوّلت الدراجات النارية غير الشرعية في لبنان من وسيلة نقل سريعة إلى ظاهرة خطرة تتشابك فيها الفوضى الأمنية والضغط المعيشي وغياب التنظيم. هذه المركبات التي تجتاح الشوارع بلا لوحات واضحة أو تسجيل رسمي باتت مرآة لأزمة دولة غير قادرة على ضبط حدودها الداخلية، وعبئًا يوميًا يهدّد سلامة المواطنين ويقضم ما تبقّى من هيبة القانون.
تكمن خطورة هذه الظاهرة في ثلاثة مستويات. أوّلها أمني، إذ تُستخدم بعض الدراجات في عمليات سطو وخطف وسرقة نظرًا لسهولة التملّص من الملاحقة وصعوبة التعرّف على أصحابها. وثانيها اجتماعي، إذ يشجّع انتشارها بين القاصرين وغير الملمّين بقواعد القيادة على تفاقم الحوادث القاتلة، في وقت تغيب فيه الرقابة الأسرية والرسمية. أمّا المستوى الثالث فهو اقتصادي، إذ إن الفوضى القائمة تهدر فرص تنظيم قطاع يمكن أن يكون مصدر عمل شرعي وآمن لآلاف الشبّان بدل أن يتحوّل إلى مساحة للتهرّب والتفلّت.
لا يمكن معالجة المشكلة بقرارات ظرفية أو حملات متقطّعة. المطلوب خطة متكاملة تبدأ بضبط الحدود الجمركية لمنع دخول الدراجات غير المستوردة رسميًا، وتستكمل بعملية تسجيل ميسّرة وغير مكلفة تشجّع مالكي الدراجات على الالتزام بالقانون بدل التهرّب منه. كما أن تفعيل وحدات متخصّصة من قوى الأمن لمراقبة الأحياء المكتظّة وتنظيم المخالفات بشكل صارم يشكّل ركيزة أساسية في الحدّ من الفوضى.
إلى جانب الإجراءات الأمنية، لا بدّ من بُعد توعوي تشارك فيه البلديات والمدارس والجمعيات الأهليّة لنشر ثقافة السلامة المرورية وشرح المخاطر المرتبطة بالقيادة غير المنظّمة. فالأمن لا يتحقّق بالقبضة الحديدية وحدها، بل بالشراكة بين المواطن والدولة والمسؤولية المشتركة في حماية الشارع.
إن وقف الدراجات النارية غير الشرعية لا يعني محاربة وسيلة نقل يعتمد عليها كثيرون لتأمين لقمة العيش، بل إنه محاولة لاستعادة النظام وإنقاذ أرواح تُزهق يوميًا بلا سبب. بين الحاجة الاقتصادية ومتطلبات الأمن يمكن إيجاد توازن عادل، شرط أن تتوافر الإرادة السياسية والإدارة الفاعلة. لقد آن الأوان لوضع حدّ لهذا الفلتان، فالدولة التي لا تضبط شوارعها الصغيرة لن تستطيع يومًا ضبط أزماتها الكبيرة.

