
يعيش لبنان منذ عدة عقود أزمة معيشية وصحية خانقة، وباتت الأدوية المزوّرة والمنتهية الصلاحية تنتشر بشكل مقلق في السوق اللبنانية، وسط غياب شبه تام للرقابة الرسمية، وفساد مستشرٍ يمتد من المعابر الحدودية إلى داخل بعض الصيدليات والمستشفيات.
وقد فتح فوضى الاستيراد، وغياب آلية تتبّع موحّدة، وانعدام الرقابة على سلاسل التوزيع، المجال أمام شبكات منظمة لإغراق السوق بأدوية غير صالحة للاستعمال، بعضها قاتل، والآخر لا يحتوي سوى على مواد عديمة الفعالية، وفي المقابل، تبدو الإجراءات الرسمية خجولة، غير قادرة على احتواء الأزمة أو حماية حياة المواطنين.
وبحسب تقارير دولية ولبنانية، فإن نحو 10% من الأدوية المتداولة في لبنان اليوم قد تكون مزوّرة أو مهرّبة أو منتهية الصلاحية، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالمعدلات العالمية. وقد كشفت فضائح متتالية عن وجود شبكات تهريب تتعاون مع صيدليات وأشخاص نافذين لإدخال هذه الأدوية عبر المعابر غير الشرعية، وغالبًا من جهة الحدود الشرقية مع سوريا.
وكان أبرز هذه الفضائح ما تم الكشف عنه مؤخرًا حول شبكة تُقدّر قيمة تجارتها بأكثر من 40 مليون دولار، تضم عشرات الصيدليات وتورّط فيها موظفون عموميون وأصحاب نفوذ، حيث تم بيع أدوية خاصة بعلاج السرطان، دون أن تحتوي فعليًا على المواد الفعالة، ما أدى إلى تدهور حالات مرضى كانوا يعتمدون على تلك العلاجات للبقاء على قيد الحياة.
لم تعد تجارة الأدوية المزوّرة تقتصر على السوق التقليدية، بل امتدت إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، حيث تُباع أدوية عبر مجموعات “واتساب” و”إنستغرام”، بأسعار مغرية وبلا وصفات طبية، في ظل غياب تام لأي رقابة رقمية.
ورغم وجود قانون الصيدلة رقم 367، الذي يجرّم تصنيع أو بيع الأدوية المزوّرة، فإن تطبيق هذا القانون ما يزال محدودًا. فقد تمّت مداهمة عدد من الصيدليات خلال الأشهر الماضية، وضُبطت كميات من الأدوية المغشوشة، لكن هذه التحركات بقيت جزئية ولم تصل إلى جذور المشكلة.
امام هذا الواقع فان الكرة الآن في ملعب الجهات الرسمية، من وزارة الصحة إلى الجمارك والقضاء. فالأزمة تتطلب إجراءات جذرية تبدأ بإغلاق المعابر غير الشرعية، وتشديد الرقابة على المستودعات، ووضع آلية تتبّع إلكترونية شاملة للدواء من لحظة الاستيراد وحتى البيع للمواطن، كما هو الحال في الدول المتقدمة.