حسين زلغوط,

خاص – “رأي سياسي”:
بعد أشهر من الجدل السياسي والانقسام الوطني حول قضية السلاح، حسمت حكومة الرئيس نواف سلام موقفها بإعلانٍ صريح في بيانها الوزاري يقضي بـ”حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها”. ومع هذا التحوّل النوعي في الموقف الرسمي، تتجه الأنظار إلى أولويات هذه الحكومة التي جاءت في أعقاب حرب مدمّرة مع إسرائيل، ووسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة تهدّد بُنية الدولة ومؤسساتها.
فما هي الأولويات الحقيقية لحكومة نواف سلام؟ وهل يشكّل ملف السلاح مدخلًا فعليًا لإعادة بناء الدولة، أم مجرد عنوان صدامي في مرحلة انتقالية معقّدة؟
وإن كان حصر السلاح يُمثّل الخطوة الأولى في مسار طويل، إلا أن هذا الإعلان جاء بالتوازي مع خطوات ميدانية تقودها المؤسسة العسكرية في الجنوب اللبناني، حيث تضاعف انتشار الجيش وتزايدت المطالب الدولية بدعمه لملء أي فراغ أمني محتمل.
أولويات ما بعد السلاح
يبدو أن الخطوة السياسية الأولى لاكتساب ثقة الداخل والخارج تبدأ بإثبات قدرة الدولة على الإمساك بالأمن. وقد كلّفت الحكومة وزير الدفاع بإعداد تقرير حول خطة عملية لتوسيع انتشار الجيش، خصوصًا في المناطق الحدودية، تمهيدًا لإعادة رسم خارطة السلطة الأمنية.
استعادة ثقة المجتمع الدولي
تُدرك حكومة سلام أن لا إعادة بناء دون تمويل دولي واسع، ولا تمويل من دون سيادة واضحة. من هنا، يسعى رئيس الوزراء إلى بلورة حزمة مطالب تتجاوز 14 مليار دولار لإعادة الإعمار، تشمل دعمًا للجيش، وبُنى تحتية، وخدمات عامة.
إطلاق إصلاحات هيكلية حقيقية
بعيدًا عن السجال السياسي، تُدرك الحكومة أن الإصلاحات هي البوابة الفعلية لإنقاذ الدولة من الانهيار الكامل. وقد وضعت في أولوياتها ملفات: إعادة هيكلة القطاع العام، مكافحة الفساد الإداري والمالي، وإعادة تنظيم التعيينات على أساس الكفاءة.
كما يُتوقّع إطلاق خطط شاملة لتحديث الإدارة، ضمن مقاربة تشاركية مع المجتمع المدني والمؤسسات الدولية.
معالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية
الواقع المعيشي الصعب يحتلّ صدارة المشهد، مع تجاوز نسب الفقر 65% والبطالة 40%. وفي هذا السياق، تتجه الحكومة لتوسيع برنامج “أمان” للدعم الاجتماعي، وإعادة النظر في سياسات الدعم والضرائب بما يضمن حماية الشرائح الأكثر هشاشة.
كما يتم التحضير لخطة نهوض اقتصادي شاملة، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، رغم العقبات السياسية التي لا تزال تُعرقل الشروع بها.
انفتاح سياسي ودبلوماسي
على الصعيد الخارجي، تنتهج حكومة نواف سلام سياسة انفتاح باتجاه الدول العربية، ولا سيّما الخليجية، بعد سنوات من الفتور، وتبدو بيروت حريصة على إعادة التموضع ضمن الحضن العربي، مع التمسّك بثوابت السيادة.
في المقابل، تحرص الحكومة على عدم القطيعة مع أي طرف إقليمي، بل تسعى إلى إدارة مرحلة الانتقال بهدوء، وفق ما أشار إليه سلام بأن “نزع السلاح هو الهدف، لكنه ليس نقطة البداية”.
يبقى السؤال الأساسي: هل تنجح حكومة نواف سلام في فرض إيقاعها الإصلاحي، أم أن التشظّي السياسي والضغوط الميدانية ستُطيح بأجندة تبدو طموحة أكثر من قدرتها على التنفيذ؟
في هذا السياق، تؤكّد مصادر سياسية عليمة أن ما بعد قضية السلاح ليس فقط اختبارًا لهيبة الدولة، بل فرصة تاريخية لإعادة بناء النموذج اللبناني على أسس حديثة. وبين الواقعية السياسية والحاجة الملحّة للإصلاح، تتحرّك حكومة نواف سلام في حقل ألغام، تحاول من خلاله أن ترسم بداية جديدة للبنان المنهك.
فهل تكون هذه الحكومة نقطة تحوّل حقيقية، أم مجرد محطة عابرة في سلسلة إخفاقات متكرّرة؟
الجواب ستقدّمه الأسابيع والأشهر المقبلة، في ظلّ ضغط المجتمع الدولي، وسقف الانتظارات المرتفع من شعب ضاق ذرعًا بالوعود المتكررة.