هل يمكن ملاحقة هيغسيث قضائياً بعد استهداف قارب الكاريبي؟
قال خبراء قانونيون إن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث قد يواجه مسؤولية جنائية عن استهداف سفينة يشتبه في تورطها في تهريب المخدرات في منطقة البحر الكاريبي في سبتمبر (أيلول)، حيث أعلن المشرعون عن تحقيق نادر من الحزبين في الحادث الذي زُعم أنه أسفر عن مقتل 11 شخصاً، بينما دعا تشاك شومر، زعيم الحزب الديموقراطي الحالي في مجلس الشيوخ، هيغسيث للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس بشأن هذه الواقعة.
ووفقاً لتحقيق أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، نُفِّذت غارات الثاني من سبتمبر، وهي من بين أولى الغارات ضمن حملة القصف التي شنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مدى أشهر ضد ما تزعم أنها قوارب تهريب مخدرات تعمل في منطقة البحر الكاريبي، من قِبل فرقة القوات الخاصة البحرية السادسة بأوامر من هيغسيث.
وذكر مصدر مطلع على العملية لـ«واشنطن بوست» أن «الأمر كان بقتل الجميع»، مضيفاً أن الأمر صدر شفهياً. وفي محاولة للامتثال لهذا الأمر، وجّه قائد العملية غارة ثانية استهدفت اثنين من الناجين من الهجوم الأول، اللذين كانا «متشبثين بحطام السفينة المشتعل»، وفقاً للصحيفة.
هيغسيث قد يواجه مساءلة قانونية
تعليقاً على الحادث، قال عدد من خبراء القانون الدولي الذين تحدثت إليهم مجلة «تايم» الأميركية إن الأحداث كما وصفها تقرير «واشنطن بوست»، إن صحت، تُشكل «جريمة قتل» و«جريمة حرب» يُمكن عدّ هيغسيث مسؤولاً عنها قانونياً.
وصرحت ريبيكا إنغبر، أستاذة القانون في كلية كاردوزو للحقوق بنيويورك والخبيرة في القانون الدولي: «من غير القانوني إطلاقاً إصدار أمر بعدم السماح بوجود ناجين. لا يوجد نزاع مسلح فعلي هنا؛ لذا فهذه جريمة قتل».
وأضافت: «إن إعلان عدم السماح بوجود ناجين أو قتل أشخاص خارج نطاق القتال يُعد جريمة حرب. هذه إحدى أبسط وأقدم قواعد قانون النزاعات المسلحة».

من جهتها، قالت لورا ديكنسون، أستاذة القانون بجامعة جورج واشنطن وخبيرة في قانون النزاعات المسلحة، إنه إذا صحّ التقرير، فقد يُعرّض هيغسيث للمسؤولية الجنائية بموجب القانون الموحد للقضاء العسكري الأميركي (UCMJ)، وهو القانون الجنائي العسكري الذي يُطبّق على أفراد القوات المسلحة.
وأضافت: «في النزاعات المسلحة، يُعدّ القتل العمد لشخص محميّ – سواء كان مدنياً أو شخصاً (عاجزاً عن القتال) لإلقائه سلاحه أو غرق سفينته في البحر – جريمة حرب».
واستشهدت ديكنسون بقصة الملازم ويليام كالي، الذي أصدر أوامر خلال حرب فيتنام لقتل مدنيين فيتناميين عُزّل فيما عُرف لاحقاً بـ«مذبحة ماي لاي». وقد تمّ التستر على جرائم كالي في البداية، لكنه أُدين لاحقاً بقتل 22 مدنياً.
إلا أنها أشارت إلى أن هذا القانون لن يُطبّق إلا إذا عُدَّت الولايات المتحدة في حالة حرب قانونية مع تجار المخدرات، كما تدّعي إدارة ترمب.
من ناحيتها، صرحت جينيفر تراهان، الأستاذة في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، بأن الولايات المتحدة «ليست في حالة حرب إطلاقاً؛ ما يعني أن جميع الضربات غير قانونية – وليست الضربة التي نوقشت فحسب».
وتقول: «الاتجار بالمخدرات جريمة، ويجب توجيه اتهامات لتجار المخدرات، واعتقالهم، ومحاكمتهم».
وتعتقد ديبورا بيرلشتاين، أستاذة القانون والشؤون العامة بجامعة برينستون، أن هيغسيث قد يكون مسؤولاً بموجب القانون المدني.
وتقول: «حتى لو أخطأت الإدارة ولم تكن هناك حرب قائمة، فسيكون هيغسيث مسؤولاً بموجب القانون الجنائي الفيدرالي العادي الذي يحظر القتل». ويتمتع أفراد القوات المسلحة بحصانة فعلية من الملاحقة القضائية بموجب هذه القوانين في حال وجود «نزاع مسلح» فعلي. ولكن في حال عدم وجود هذا النزاع، فلا حصانة لهم.
تحقيق من قِبل مجلسي النواب والشيوخ
ومنذ نُشر تقرير «واشنطن بوست»، أعلنت كلٌّ من لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ولجنة القوات المسلحة في مجلس النواب عن نيتهما التحقيق في الضربة، في بادرة نادرة من التوافق الحزبي.
وأفاد بيان مشترك صادر عن رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، النائب مايك روجرز، الجمهوري من ولاية ألاباما، والنائب آدم سميث، الديمقراطي من ولاية واشنطن، بأن اللجنة ستتخذ «إجراءات مشتركة بين الحزبين لجمع تقرير كامل عن العملية المعنية»، بينما تعهد بيان صادر عن لجنة مجلس الشيوخ «بإشراف صارم» لتحديد ما حدث.
من جهته، دعا تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، هيغسيث للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس بشأن الضربة.
وهاجم شومر وزير الحرب الأميركي بسبب منشور شاركه الأخير على «إكس» يظهر سلحفاة كرتونية تطلق النار على مشتبهين بتهريب المخدرات.
وقال شومر إن منشور هيغسيث «طفولي ولا يمكن لأي قائد جاد أن يفكر في نشره».
تعليق هيغسيث
وصف هيغسيث التقرير بأنه «مُفبرك» وجزء من حملة «أخبار كاذبة» لتشويه سمعة أفراد الخدمة العسكرية في رد مطول على منصة «إكس» دون أن ينفي مباشرةً أنه أمر بالضربات.
وكتب وزير الحرب: «كما ذكرنا منذ البداية، وفي كل بيان، فإن هذه الضربات شديدة الفاعلية تهدف تحديداً إلى أن تكون (ضربات قاتلة وحركية). الهدف المعلن هو وقف المخدرات القاتلة، وتدمير قوارب تهريب المخدرات، وقتل إرهابيي المخدرات الذين يسممون الشعب الأميركي. كل تاجر مخدرات نقتله ينتمي إلى منظمة إرهابية مصنفة».
As usual, the fake news is delivering more fabricated, inflammatory, and derogatory reporting to discredit our incredible warriors fighting to protect the homeland.As we’ve said from the beginning, and in every statement, these highly effective strikes are specifically…
— Secretary of War Pete Hegseth (@SecWar) November 28, 2025
تناقض بين تصريحات ترمب وليفيت
وصرحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، يوم الاثنين، بأن هيغسيث فوض قائد العمليات الخاصة في القوات المسلحة الأميركية الأدميرال فرانك برادلي بتنفيذ الضربات، وأن الأخير قد تصرف «وفقاً لسلطته ووفقاً للقانون» عندما أمر بشن ضربة ثانية بعد أن خلّفت الضربة الأولى ناجين؛ وذلك «لضمان تدمير القارب بالكامل والقضاء على التهديد الذي كانت تواجهه الولايات المتحدة الأميركية».
لكن يبدو أن هذه التعليقات تتناقض مع تصريحات ترمب التي أطلقها في وقت متأخر من يوم الأحد، عندما قال إن هيغسيث نفى إصدار الأمر بضرب القارب مرة أخرى.
وقال الرئيس الأميركي للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية: «لا أعرف شيئاً عن ذلك. يقول هيغسيث إنه لم يطلب ذلك، وأنا أصدقه».
يذكر أن القوات الأميركية استهدفت منذ سبتمبر أكثر من 20 سفينة اشتبهت في تورطها في تهريب المخدرات في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ؛ ما أسفر عن مقتل 83 شخصاً على الأقل.

