
حسين زلغوط
خاص ـ”رأي سياسي”:

أدهشت أجواء استقبال لبنان للبابا لاوون الرابع عشر، العالم بأسره خصوصاً أن اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم اظهروا وحدتهم الوطنية، وتجاوزوا كل انقساماتهم السياسية، ووقفوا جنباً إلى جنب، ترحيباً بالبابا في مشهد قل نظيره.
لا شك أن استقبال بابا روما في قصر بعبدا كان لافتاً لا بل مميزاً، بطبيعته اللبنانية التي تحمل الفرح بالزائر، في الوقت الذي كان فيه البابا لاوون الرابع عشر لا يُخفي تأثّره، بمظاهر الترحيب انطلاقا من المطار وصولا الى قصر بعبدا.
في داخل القصر الجمهوري، جرى تنظيم ترحيب رسمي، شاركت فيه شخصيات سياسية وإعلامية ودبلوماسية. كان كل شيء خاضعاً للبروتوكول والتشريفات. لا يمكن للقصر الرئاسي أن يشذّ عن قواعد الاستقبالات، كما جاء في تصريح النائب ستريدا جعجع، التي تنحصر مشكلتها عملياً في نصوص البروتوكول.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوقت بالذات، لماذا ارادت ان تفتعل ازمة في لحظة تضامن لبناني واسع؟ هل بسبب نجاح الرئاسة الاولى في تنظيم زيارة البابا؟ ام فعلاً نتيجة رغبة النائب جعجع في فرض حضور زوجها، دون سواه من رؤساء احزاب لبنانية لم توجه لهم الدعوة الى الحضور؟
فعلى سبيل المثال لم يعترض رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ولا رئيس حزب التضامن اميل رحمة، ولا رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، ولا امين عام تيار المستقبل احمد الحريري، ولا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ولا غيرهم ممن يترأسون أحزاباً لبنانية، كما انه لم يصدر لا عنهم ولا عن مقربين منهم او مناصريهم اي اعتراض يذكر.
فالدعوات التي وجهت لحضور استقبال البابا، اقتصرت على الرؤساء الحاليين و السابقين، والوزراء الحاليين والنواب والسفراء العرب والاجانب، و على اركان الدولة القضائية، الادارية، و الامنية، والمؤسسات الإعلامية، والمنظمات الدولية.
و قد جرى الاعتماد على الترتيب البروتوكولي المنصوص عليه بالملحق رقم ٤ من مرسوم رقم ٤٨٠١، مع الاخذ بعين الاعتبار ضمن ترتيب النواب، و بالتنسيق مع مراسم مجلس النواب، رؤساء الكتل النيابية، ورؤساء اللجان النيابية، وهذا يعني ان البروتوكول الرئاسي لم يبتدع اي جديد وهو التزم بما كان يحصل في محطات مماثلة، وبالتالي من الظلم قيادة حملة غير مبررة على الرئاسة التي تحرص الحرص الشديد على ان تكون على مسافة واحدة من كل اللبنانيين وهي لم تقصد على الاطلاق اي جهة سياسية بحد ذاتها.
في هذا الإطار، فإن موقف النائب جعجع بكل ما يحمله من اعتراض سياسي بدا كأنه جزء من محاولة أوسع لإيصال رسالة داخلية، سواء في سياق التنافس المسيحي الداخلي أو في إطار الصراع الدائم على شكل الشراكة في القرار اللبناني. غير أن تحميل بروتوكول رئاسة الجمهورية أكثر مما يحتمل لا يساهم إلا في زيادة التوتر داخل الوسط السياسي نفسه.
من الضروري التذكير بأن التعاطي مع زيارات بابا الفاتيكان يختلف عن أي زيارة أخرى، لما تحمله من رمزية تتجاوز الاعتبارات السياسية المباشرة. وهذا ما يفرض على القوى السياسية اعتماد خطاب أكثر هدوءاً وتواضعاً في مقاربة التفاصيل البروتوكولية، والتعامل مع الملف من منظور وطني لا فئوي.
فالحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية، بوصفها رمز وحدة الدولة، يتطلب الامتناع عن تحويل كل تفصيل إلى اشتباك. كما أنّ احترام المؤسسات لا يعني تبنّي قراراتها من دون نقد، لكنه يعني بالتأكيد وضع النقد في سياق مهني وموضوعي لا يخدم سجالات ظرفية.
إن الجدل حول الدعوات الموجّهة للقاء البابا ما كان ليأخذ حجمه الحالي لو لم يتم تحميله أبعاداً سياسية تتجاوز طبيعته. وقد ساهمت بعض التصريحات في تضخيم قضية إجرائية بسيطة، فيما الأجدى تكريس الجهد نحو القضايا الوطنية الكبرى، من الإصلاحات الاقتصادية إلى إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة.

