تحرك أميركي جديد بشأن «جماعة الإخوان» المحظورة في بلد التأسيس مصر منذ 2013، وفروعها المنتشرة بدول عربية، في أول خطوة من نوعها في الولاية الثانية للرئيس دونالد ترمب، والثانية بعهده الرئاسي بعدما اعتزام حظر الجماعة في 2019 بولايته الأولى من دون أن يترجم إلى واقع.
هذه المرة ركّزت واشنطن على مصر (مقر التأسيس)، وفرعي تنظيمها المحظور بالأردن، والثالث الذي يحمل اسم «الجماعة الإسلامية» في لبنان، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» معالجة جزئية لتهديدات الجماعة، في ظل تحديات كبيرة وانتشارها الكبير تحت مسميات غير مباشرة عربياً وغربياً، متوقعين في ظل حظر الجماعة بمصر والأردن أن يطول «الجماعة الإسلامية» في لبنان التابعة للتنظيم الأمر ذاته، حال اعتبرتها واشنطن إرهابية، دون تأثير كبير على جسد الجماعة التي تتحرك بلا مركزية وبمسميات مختلفة.
تحرك جديد
ووفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، وقّع ترمب أمراً تنفيذياً، يوجه وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بتقديم تقرير حول ما إذا كان سيتم تصنيف أي من فروع «جماعة الإخوان المسلمين» (تأسست عام 1928) كتلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن، وذلك في غضون 45 يوماً، بحسب ما نقلته «رويترز» الثلاثاء.
واتهمت إدارة ترمب فروعاً لـ«الإخوان المسلمين» في تلك الدول بدعم أو تشجيع شنّ هجمات عنيفة على إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة، أو تقديم الدعم المادي لـ«حماس».
وفي تصريحات لموقع «جست ذا نيوز» اليميني الأميركي، الأحد، أكّد ترمب أن خطته لتصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة «إرهابية أجنبية» باتت في مراحلها الأخيرة، وذلك بعد خطوة حاكم ولاية تكساس الجمهوري، غريغ أبوت، الذي صنّف الأسبوع الماضي «الإخوان» ومجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية (كير) «منظمتين إرهابيتين أجنبيتين ومنظمتين إجراميتين عابرتين للحدود»، وطعن المجلس على التنصيف.
وعن خلفيات ذلك القرار، قال الخبير المصري في شؤون الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، إن «واشنطن ترى أن (الجماعة الإسلامية) في لبنان التابعة للجماعة شنّت هجمات ضد إسرائيل وتحالفت مع (حزب الله) بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وكذلك التنظيم تم حظره في الأردن (في أبريل – نيسان 2025) بعدما تم القبض على شبكة كانت تجهز لعمليات ضد إسرائيل أيضاً، خاصة أن 60 في المائة من عناصرها موالون لـ(حماس)، وعناصر مصر الفارين بالخارج يدعمون تلك العمليات».
ويرى فرغلي أن اختيار هذه الفروع سهّل بالنسبة لواشنطن رصدها وتصنيفها بأمر تنفيذي، دون أن يكون لتلك القرارات المحتملة أي تأثير على جسد الجماعة، التي تتحرك بشكل لا مركزي في العالم، تحت لافتات منظمات وهيئات قانونية، وستنفي صلتها بالجماعة، وستكسب أي جولة قضائية ضده.
ويعتقد أنه لو حسمت واشنطن موقفها ضد الفروع الثلاثة باعتبارهم إرهابيين فلا تغيير بالنسبة لمصر والأردن، لكونهما بالأساس تعتبران الجماعة إرهابية، ولكن في لبنان يمكن أن تمضي السلطات في الحظر، ويمكن لـ«الجماعة الإسلامية» هناك أن تتحرك بإنشاء حزب أو هيئة باسم آخر.
وباعتقاد الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، فإن توجيه ترمب بدراسة حظر الفروع التابعة لجماعة «الإخوان» يثير جدلاً أوسع بالغرب، حيث يرى البعض إمكانية تحديد بعض الفروع ذات العنف الواضح للتصنيف، مع اعتبار بقية الشبكة جهات اجتماعية وسياسية شرعية، وهذا من المنظور الأمني الأكثر صرامة خطأ هيكلي، ولا بد من التنظيف الكامل.
وتعتبر تسوكرمان أن الإجراءات الجزئية جزء من المشكلة، باعتبارها تشير إلى أن الأنظمة الغربية لا تزال مُترددة في مواجهة جهة فاعلة عابرة لتلك الجماعة، ما يمنحها مزيداً من الوقت والحرية لصقل تكتيكاتها وترسيخ نفسها بشكل أعمق في النسيج المدني والسياسي للمجتمعات التي تستهدفها.
ويأتي التحرك الأميركي ضمن موجة أوسع من الإجراءات التي اتخذتها عدة دول عربية وأجنبية خلال السنوات الأخيرة ضد الجماعة، شملت حظراً قانونياً، وملاحقات قضائية، وتجفيفاً لمصادر التمويل، حيث حظرتها بلدان عدة أو وضعتها على قوائم الإرهاب، من بينها مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين، في ظل اتهامات بتأجيج التوترات الإقليمية ودعم جماعات مسلّحة.
وتصنّف السلطات المصرية، «الإخوان»، «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، في عودة لعقود من تلك المواجهات، ويقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما هناك آخرون هاربون في الخارج ومطلوبون للقضاء المصري.
وفي 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، انتقدت «جماعة الإخوان»، في بيان، تقريراً رسمياً بريطانياً خلُص إلى أن الانتماء إلى الجماعة أو الارتباط بها «مؤشر محتمل على التطرف». ووقتها، أشادت الحكومة المصرية بالتقرير باعتباره «خطوة هامة وجادة على مسار مكافحة ومحاصرة الفكر المتطرف والإرهاب»، وسط تقارير إعلامية لمنابر موالية للدولة ترحب بالتوجيه الجديد من ترمب.
وسبق في يناير (كانون الثاني) 2021، أن أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أنها شدّدت العقوبات على حركة «سواعد مصر» المعروفة بـ«حسم» المتهمة من القاهرة بالانتماء لـ«الإخوان»، وأدرجتها كـ«منظمة إرهابية أجنبية».
وفي يوليو (تموز) 2025، أعلن مجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي، برئاسة إيمانويل ماكرون، عن اعتزام اتخاذ حزمة جديدة من الإجراءات الهادفة إلى تشديد القيود على «جماعة الإخوان» في فرنسا.
ووفقاً لما ذكرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، الثلاثاء، يجب أن يتبع دراسة ترمب خطوات عديدة، من بينها صياغة فهم مشترك مع الدولة المصنفة للجماعة إرهابية لتوسيع الإدراج على قوائم الإرهاب، واستهداف شبكات التمويل والتجنيد والدعم العملياتي للجماعات العنيفة.
ويعتقد فرغلي أن تلك القرارات التي تنضم لها محاولات أوروبية في فرنسا تبقى محدودة التأثير، في ظل صعوبة حسم الانتماءات أو التبعية، في ظل شبكات عربية وغربية متجذرة، لها ارتباطات بلا اسم مباشر، لافتاً إلى أن واشنطن اعتبرت تنظيم «حسم» الإرهابي في مصر الموالي لـ«الإخوان» جماعة إرهابية، فهل أثّر ذلك على وجوده أو منعه مستقبلاً؟ يجيب: «لا، الأمر أكبر من ذلك، لكنها قرارات معنوية مؤثرة فقط في تقييد الحركة أو الأموال التي تصل من هذه الفروع وإليها».
ونبّه إلى أن تضييق الخناق الحادث في أوروبا في إطار قانوني، ومؤسسات «الإخوان» هناك «تلعب بالقانون، وتقول إنها لا تتبع (الإخوان). وفي النهاية، المحصلة بقاء تلك المؤسسات وعدم وجود قرار حاسم يستطيع تقويضها بالكامل».
وفيما لم تصدر «الإخوان» موقفاً بعدُ مِن توجيه ترمب، تتوقع تسوكرمان أن يجادل المتحدثون باسم «الإخوان» وحلفاؤهم بأن عدم تصنيف الحركة بأكملها يُثبت أن أجهزة الأمن الغربية لا تعتبرها تهديداً موحداً، لافتة إلى أنهم سيُصوّرون تصنيف فروع محددة على أنه استثنائي، أو بدوافع سياسية، أو نتيجة ضغوط من خصوم إقليميين، وسيتحركون لتعديلات هيكلية في الفروع وكيانات الغرب لخلق انطباع بالانفصال.

